[ماهية الأحوال وحقيقتها]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو يثبتون الأحوال دون الصفات].
الأحوال لا وجود لها، بل تعد من الأشياء المحالة والمعدومة، وهذا مذهب أبي هاشم عبد السلام بن محمد الجبائي أحد كبار المعتزلة، وإليه تنسب فرقة البهشمية من فرق المعتزلة، وأبو هاشم هو أول من قال بأن الصفات أحوال، وقد أثبت الأحوال من الأشاعرة إمام الحرمين الجويني والباقلاني، قال الآمدي: والأحوال عبارة عن صفات إثباتية غير متصفة بالوجود ولا بالعدم.
يعني: أنها تثبت في الذهن فقط، وقد يمكن أن يُعبر عنها بما به الاتفاق والافتراق بين الذوات، وهذا لا وجود له إلا في الجنة، وعرفها الإيجي: بأنها الواسطة بين الموجود والمعدوم.
وأما الشهرستاني فقد ذكر أنه ليس للحال حد حقيقي يذكر حتى تعرف بحدها وحقيقتها على وجه يشمل جميع الأحوال، وقال: بل لها ضابط وحاصر بالقسمة، وهي تنقسم إلى ما يعلل وإلى ما لا يعلل، وما يعلل هي أحكام لمعانٍ قائمة بذوات، وما لا يعلل هي صفات ليس أحكاماً للمعاني.
وقال: ابن حزم: وأما الأحوال التي ادعتها الأشعرية فإنهم قالوا: إنها هنا أحوال ليست حقاً ولا باطلاً، ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة، ولا هي موجودة ولا معدومة، ولا هي مجهولة ولا معلومة، ولا هي أشياء ولا هي لا أشياء، وقالوا: ومن هذا علم العالم بأن له علماً.
وهذا مثل قولهم: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه، وهكذا الجهمية المتأخرون فإنهم يصفون الرب بهذا، فيقولون: الرب لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا مداخل ولا محايد، ولا يمكن أن يتصور شيء بهذا الوصف إلا العدم، وهم يقولون: إن البنوة تنطبق عليها هذه الصفات، وهذا من باب المغالطة.
وأسهب أبو محمد في الرد عليهم وعد هذا سفسطة وهذياناً محضاً.
وقد أشكلت على العلماء أحوال أبي هاشم هذه وجهلوه بها وشنعوا عليه، يقول البغدادي في كلامه عن هذه الأحوال: وزعم أن الله عالم لكونه على حال، وقادر لكونه على حال، وزعم أنه لكونه عالماً بكل معلوم حالاً دون الحال التي لأجلها كان عالماً بالمعلوم الآخر، وكذلك لكونه قادراً على المقدور الحال، ولا يقال: إنها الحال التي بكونها عليها كان قادراً على المقدور الآخر.
والمقصود: أن هذه من المحالات الثلاث المعروفة وهي: طفرة النظام، وكسب الأشعري، وأحوال أبي هاشم الجبائي؛ لأنه لا وجود لها، ومنها كسب الأشعري؛ لأن الأشعري يقول: العبد لا قدرة له، والله تعالى هو الخالق، فكيف يكون العبد لا قدرة له وله كسب؟ هذا غير معقول، وقد بين شيخ الإسلام في التدمرية أن هذه الأحوال لا وجود لها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو يثبتون الأحوال دون الصفات، كما عرف من مذاهب المتكلمين، فهؤلاء قسمان: قسم: يتأولونها ويعينون المراد، مثل قولهم: استوى بمعنى: استولى، أو بمعنى: علو المكانة والقدر، أو بمعنى: ظهور نوره للعرش، أو بمعنى: انتهاء الخلق إليه، إلى غير ذلك من معاني المتكلفين.
وقسم: يقولون: الله أعلم بما أراد بها، لكنا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجة عما علمناه].
يعني: أنهم يقولون: الله أعلم بالمراد بها، مع أنهم يجزمون بأنها بنفس المعنى الحق، فيقولون: نجزم بأن الله لا يتصف بالصفات حقيقة، لكننا نعلم أن ظاهره غير مراد، لكن نجزم بأنه لا يتصف بصفات حقيقة، نسأل الله العافية، فهم يفوضون مع نفيهم للمعنى الحق.
ونحن لا يفوتنا المعنى، فإنه سبحانه لم يذكر لنا صفة لا نعلمها نحن، بل ما ذكر صفة إلا وهو يتصف بها كما يليق بجلاله وعظمته.