قال رحمه الله تعالى: [وحرام على كل من سمع القصائد والرباعيات الملحنة الجاري بين أهل الأطباع على أحكام الذكر، إلا لمن تقدم له العلم بأحكام التوحيد، ومعرفة أسمائه وصفاته، وما يضاف إلى الله تعالى من ذلك مما لا يليق به عز وجل بما هو منزه عنه، فيكون استماعه كما قال:{يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ}[الزمر:١٨] الآية].
يعني: ليس له أن يستمع إلا إذا عظم الله وميزه فهذا كلام فيه إجمال.
قال رحمه الله تعالى:[وكل من جهل ذلك وقصد استماعه على الله على غير تفصيله فهو كفر لا محالة، فكل من جمع القول وأصغى بالإضافة إلى الله فغير جائز إلا لمن عرف بما وصفت من ذكر الله ونعمائه، وما هو موصوف به عز وجل ما ليس للمخلوق فيه نعت ولا وصف، بل ترك ذلك أولى وأحوط، والأصل في ذلك أنها بدعة، والفتنة بها غير مأمونة على استماع الغناء والربعيات بدعة، وذلك مما أنكره المطلبي -أي: الشافعي - ومالك والثوري ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق، والاقتداء بهم أولى من الاقتداء بمن لا يعرفون في الدين، ولا لهم قدم عند المخلصين، وبلغني أنه قيل لـ بشر بن الحارث: إن أصحابك قد أحدثوا شيئاً يقال له القصائد، قال: مثل أيش؟ قال: مثل قوله: اصبري يا نفس حتى تسكني دار الجليل فقال: حسن، وأين يكون هؤلاء الذين يستمعون ذلك؟ قال: قلت: ببغداد، فقال: كذبوا، والله الذي لا إله غيره لا يسكن بغداد من يسمع ذلك.
يقول ياقوت الحموي: ذم بغداد قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهاد والعباد، ووردت فيه أحاديث خبيثة وعلتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحش وأعطهم فلساً فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل: قل لمن أظهر التنسك في الناس وأمسى يعد في الزهاد الزم الثغر والتواضع فيه ليس بغداد منزل العباد إن بغداد للملوك محل ومناخ للقارئ الصياد].
بغداد كانت في أزمان محل العباد والعلماء، وفي أزمان محل الرقص والغناء والصوفية.