للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقابلة الشيء لا تنفي علوه]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه، فلا يبصق قبل وجهه)، الحديث.

حق على ظاهره، وهو سبحانه فوق العرش، وهو قبل وجه المصلي، بل هذا الوصف يثبت للمخلوقات، فإن الإنسان لو أنه ينادي السماء وينادي الشمس والقمر لكانت السماء والشمس والقمر فوقه، وكانت أيضاً قبل وجهه وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بذلك، ولله المثل الأعلى، ولكن المقصود بالتمثيل بيان جواز هذا وإمكانه، لا تشبيه الخالق بالمخلوق].

أي: بيان أن من فوقك هو أمامك، فلا منافاة، فقوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه) لا ينافي أن الله في العلو، وأنه فوق المخلوقات كما يظن بعض الناس.

ومثَّل المؤلف على ذلك بأن الإنسان إذا نادى السماء أو الشمس فهما فوقه وأمامه، والمقصود من هذا التقريب لا التشبيه، فالله تعالى لا يشابه أحداً من خلقه، لا الشمس ولا القمر ولا غيرها، وإنما المراد أن من كان فوقك فهو أمامك، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قبل وجهه)، لا ينافي العلو، فهو فوق العرش، وهو قبل المصلي سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيرى ربه مخلياً به، فقال له أبو رزين العقلي: كيف يا رسول الله وهو واحد ونحن جميع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، هذا القمر كلكم يراه مخلَياً به وهو آية من آيات الله، فالله أكبر) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم].

يصح مخلِياً على أنه اسم فاعل، ويصح مخلَياً بالفتح، ومخلِياً بالكسر هو الأقرب.

يعني: إذا كان الإنسان يستطيع أن يرى القمر وحده، ويستطيع أن يراه وهو مع قوم دون أن يزاحمهم، فكذلك المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة دون مزاحمة، وكذلك يرى الإنسان ربه مخلياً به كما أنه يرى القمر مخلياً به.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال: (إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر) فشبه الرؤية بالرؤية، وإن لم يكن المرئي مشابهاً للمرئي].

يعني: ليس المراد أن الله تعالى يشابه القمر والشمس، فالله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، ولكن المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، يعني: كما أن الإنسان في الدنيا يرى الشمس والقمر رؤية واضحة، فكذلك سيرى الله يوم القيامة فهذا هو المراد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فشبه الرؤية بالرؤية وإن لم يكن المرئي مشابهاً للمرئي، فالمؤمنون إذا رأوا ربهم يوم القيامة وناجوه كل يراه فوقه قبل وجهه كما يرى الشمس والقمر ولا منافاة أصلاً ومن كان له نصيب من المعرفة بالله والرسوخ في العلم بالله يكون إقراره للكتاب والسنة على ما هما عليه أوكد].

<<  <  ج: ص:  >  >>