[إثبات الإمام الباقلاني للصفات]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني المتكلم، وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ليس فيهم مثله، لا قبله ولا بعده].
يعني: أن الباقلاني من الأشاعرة المعتدلين، ولهذا أثنى عليه المؤلف رحمه الله.
قال: [وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده، قال في كتاب الإبانة تصنيفه: فإن قال: فما الدليل على أن].
الأشعري له كتاب الإبانة، والباقلاني له كتاب الإبانة أيضاً.
قال: [فإن قال: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً؟ قيل له: قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧]، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، فأثبت لنفسه وجهاً ويداً].
والأشاعرة المتأخرون لا يثبتون هذه الصفات لله وهو يثبتها الآن؛ لأنه ليس كالأشاعرة المتأخرين، بل هو من المعتدلين، ولذا تراه يثبت كثيراً من الصفات.
قال: [فإن قال: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إذا كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً إلا جارحة؟ قلنا: لا يجب هذا، كما لا يجب إذا لم نعقل حياً عالماً قادراً إلا جسماً أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه، وكما لا يجب في كل شيء كان قائماً بذاته أن يكون جوهراً؛ لأنا وإياكم لا نجد قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك، وكذلك الجواب لهم إن قالوا: فيجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفاته عرضاً واعتلوا بالوجود.
قال: فإن قال: تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل له: معاذ الله! بل هو مستو على العرش، كما أخبر في كتابه فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]، وقال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:١٦]، قال: ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض].
يعني: يدعى من جهة الأرض ولا يدعى من جهة السماء لعلة كونه في كل مكان، نعوذ بالله.
قال: [ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا وإلى يميننا وإلى شمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله.
وقال أيضاً في هذا الكتاب: صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفاً بها، وهي: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان والغضب والرضا، وقال في كتاب التمهيد كلاماً أكثر من هذا].
كتاب التمهيد هو كتاب الباقلاني، وهناك التمهيد لـ ابن عبد البر وهذا غير ذاك.
قال: [فقال في كتاب التمهيد كلاماً أكثر من هذا، لكن ليست النسخة حاضرة عندي، وكلامه وكلام غيره من المتكلمين في هذا الباب].
هذا يدل على أن المؤلف ينقل حرفياً، ويدل على أن المؤلف رحمه الله كانت عنده كتب كثيرة من المتقدمين والمتأخرين ينقل منها.
قال: [وقال في كتاب التمهيد كلاماً أكثر من هذا لكن ليست النسخة حاضرة عندي، وكلامه وكلام غيره من المتكلمين في هذا الباب مثل هذا كثير لمن يطلبه، وإن كنا مستغنين بالكتاب والسنة وآثار السلف عن كل كلام].
لكن من باب الرد على الخصوم بأقوال أئمتهم وعلمائهم، وإلا فالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والعلماء كافية، لكن لا ينقل عن أهل الكلام، إلا لإقناع الخصوم من الأشاعرة، فيقال: هذا القاضي منكم، وهذا الأشعري تنتسبون إليه، فانظروا إلى كلامه، إذ كلامه يبطل ما تدعونه من إنكار الصفات وتأويلها.