للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام أهل القبلة في آيات الصفات]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وجماع الأمر: أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة: قسمان يقولان: تجُرى على ظواهرها.

وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها.

وقسمان يسكتان].

قوله: (يسكتان) أي: يفوضون، وكل قسم ينقسم إلى أقسام سيأتي ذكرها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أما الأولون فقسمان: أحدهما: من يجريها على ظاهرها ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبهة، ومذهبهم باطل أنكره السلف، وإليه توجه الرد بالحق].

هذا القسم الأول: الذي يقول أصاحبه: تجرى على ظاهرها، ومقصودهم بظاهرها: أن صفات الله مثل صفات المخلوقين: له سمع كسمع المخلوقين، وبصر كبصر المخلوقين، واستواء كاستوائهم، فهؤلاء مشبهة.

والأدلة على بطلان قول المشبهة كثيرة منها قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥] وقوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:٧٤] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤] فكل هذه النصوص دالة على بطلان هذا القول.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله، كما يجري ظاهر اسم العليم والقدير، والرب والإله، والموجود والذات، ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله].

وهؤلاء أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة؛ فإنهم يجرونها على ظاهرها اللائق بجلال الله وعظمته، فالذين يقولون: تجرى على ظاهرها قسمان: قسم يفسرون الظاهر بصفات المخلوقين، وهؤلاء هم المشبهة.

وقسم يفسرون الظاهر بما يليق بجلال الله وعظمته، ولا نعلم الكيفية، وهؤلاء هم أهل الحق وأهل السنة والجماعة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوقين إما جوهر محدث، وإما عرض قائم به].

الجوهر المحدث: هو الجسم الذي أحدثه الله وخلقه، وقوله: (وإما عرض قائم به) أي: صفة قائمة بالجسم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فالعلم والقدرة، والكلام والمشيئة، والرحمة والرضا، والغضب ونحو ذلك في حق العبد أعراض، والوجه واليد والعين في حقه أجسام].

أي: أعراض قائمة بجسمه، فكون الإنسان يغضب ويرضى ويقوم ويقعد ويتحرك هذه صفات قائمة في جسمه، والجسم حادث خلقه الله بعد أن لم يكن، هذا بالنسبة للمخلوق.

أما الخالق فلا يقاس عليه، ولا يقال: إن صفاته أعراض، بل هي صفات تليق بجلاله وعظمته وليست كصفات المخلوقين، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، وهو سبحانه واجب الوجود لذاته قال تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:٣] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤] سبحانه وتعالى، أما المخلوق فقد خلقه الله بعد أن كان عدماً، والصفات والأعراض قائمة به.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً وقدرة، وكلاماً ومشيئة -وإن لم يكن ذلك عرضاً- يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين، جاز أن يكون وجه الله ويداه صفاتٍ ليست أجساماً يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين].

قوله: (عامة أهل الإثبات) يدخل في ذلك أهل السنة، ويدخل في ذلك الأشاعرة في إثباتهم للصفات السبع: العلم والقدرة والكلام والإرادة والحياة والسمع والبصر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف، وعليه يدل كلام جمهورهم، وكلام الباقين لا يخالفه، وهو أمر واضح].

يعني: ليست أجسام يجوز عليه، فكلمة (يجوز) منفية، يعني: أن النفي منصب على (أجسام ويجوز) جميعاً، والمعنى: ليست أجساماً موصوفة بأنه يجوز عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>