[تصريح أكابر السلف بتكفير الجهمية وتضليلهم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروى عبد الله بن أحمد وغيره بأسانيد صحاح عن ابن المبارك أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه هاهنا في الأرض وهكذا قال الإمام أحمد وغيره].
وهذا قول عبد الله بن المبارك أن الله فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه، ولا نقول: إنه هاهنا، يعني: إسقاط المخلوقات كما تقول الجهمية، فالجهمية قاتلهم الله يقولون: إن الله في كل مكان، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً وقالوا: هو موجود في بطون السباع وفي أجواف الطيور تعالى الله عما يقول الظالمون علواًَ كبيراً، وهذا كفر وضلال نعوذ بالله، وقالت طائفة أخرى من الجهمية بنفي النقيضين، قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا مبين له ولا محيط له، ولا متصل به ولا منفصل عنه هذا أشد كفراً نعوذ بالله.
قال: [وروى بإسناد صحيح عن سليمان بن حرب الإمام: سمعت حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية فقال: إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء].
أي: ينكرون وجود الله، وهذه محاولتهم لما أنكروا العلو وقالوا: لا داخل عليه ولا خارج أنكروا وجود الله، وكذلك الذين يقولون: إنه حل في كل مكان، فقد جعل الرب مثل الهواء نعوذ بالله.
قال: [وروى ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعي إمام أهل البصرة علماً وديناً من شيوخ أحمد أنه ذكر عنده الجهمية فقال: هم أشر قولاً من اليهود والنصارى، وقد اجتمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش، وهم قالوا: ليس على شيء].
فاليهود والنصارى وأهل الأوثان أقروا بأن الله موجود، وبأنه فوق العرش، وهؤلاء أنكروا وجود الله؛ لأنه لما أنكروا العلو وقالوا في كل مكان، أو قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه أنكروا وجود الله، فمن أقوالهم كما قال عبد الملك بن مروان أنهم يقولون: ليس على العرش إله، فاليهود تحت هذه الحالة ومن هذه الناحية من جهة اعترافهم بالرب وأنه في العلو هم أفضل من هؤلاء الجهمية الذين قالوا: ليس هناك رب فوق نعوذ بالله.
قال: [وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة: من لم يقل: إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم ألقي على مزبلة، لئلا يتأذى بنسم ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة ذكره عنه الحاكم بإسناد صحيح].
وهذا يدل على أن الإمام ابن خزيمة رحمه الله يرى أن من أنكر علو الله فهو مرتد، فيكون أشد من اليهود والنصارى، فاليهود والنصارى يدفعون الجزية، أما هؤلاء لا يدفعون الجزية، بل يعيشون تحت راية الإسلام، ولذلك لا بد من ضرب أعناقهم، ولهذا قال: يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم ألقي على مزبلة من مكان مرتفع، وهي مزبلة بعيدة عن البلد حتى لا يتأذى بنتن ريحه أهل الإسلام ولا أهل الذمة، فلا يتأذى به المسلمون، ولا يتأذى به اليهود والنصارى؛ فعلى ذلك دل على أنهم أشد كفراً من اليهود والنصارى.
قال: [وقد روى عبد الله بن أحمد عن عباد بن العوام الواسطي إمام أهل واسط من طبقة شيوخ الشافعي وأحمد قال: كلمت بشراً المريسي، وأصحاب بشر؛ فرأيت آخر كلامهم أن يقولوا: ليس في السماء شيء].
وبشر المريسي هذا جهمي، زعيم طائفة المريسية في القرن الثالث الهجري، قال الإمام عباد: إني تأملت كلامهم فرأيت أن مكسب كلامهم إنكار أن الله في السماء، وهذا الكلام يدور على أنه ليس فوق العرش نعوذ بالله هذا مقتضى قول الجهمية.
قال: [وعن عبد الرحمن بن مهدي الإمام المشهور أنه قال: ليس في أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم، يدورون على أن يقولوا: ليس في السماء شيء، أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا].
وليس هناك أشد في البدع من الجهمية يدور كلامهم على إنكار الرب، قوله: أرى أن لا يناكحوا ولا يورثوا لأنهم كفار، يعني: حكم عليهم بالكفر.
قال: [وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الرحمن بن مهدي قال: أصحاب جهم يريدون أن يقولوا: إن الله لم يكلم موسى، ويريدون أن يقولوا: ليس في السماء شيء، وإن الله ليس على العرش، أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا.
وعن الأصمعي قال: قدمت امرأة جهم فنزلت الدباغين، فقال رجل عندها: الله على عرشه فقالت: محدود على محدود فقال الأصمعي: كافرة بهذه المقالة].
امرأة جهمية لما دخلت الدباغين وسمعت رجلاً يقول: الرحمن على العرش استوى، قالت: محدود على محدود تقصد بذلك إنكار علو الرب، يعني: كيف يكون محدوداً وهو الرب على محدود وهو العرش، يعني: هذا تنقص لله، وبذلك يكون محدوداً على محدود، وقصدهم من ذلك: نفي أن يكون الله فوق العرش؛ فلهذا قال الأصمعي: كفرت بهذه المقالة؛ لأنها أنكرت علو الله على عرشه، وإنكارها ذلك بمعنى: أن الله ساقط في المخلوقات وهذا كفر وضلال، ولهذا كفرها الأصمعي.
قال: [وعن عاصم بن علي بن عاصم - شيخ أحمد والبخاري وطبقتهما - قال: ناظرت جهماً؛ فتبين من كلامه أن لا يؤمن أن في السماء رباً.
وروى الإمام أحمد قال: أخبرنا سريج بن النعمان قال: سمعت عبد الله بن نافع الصائغ قال: سمعت مالك بن أنس يقول: الله في السماء، وعلمه في كل مكان؛ لا يخلو من علمه مكان].
هذا هو قول أهل السنة والجماعة، فالله فوق العرش، وعلمه في كل مكان، وهو سبحانه وتعالى فوق العرش ويعلم كل شيء، ويسمع كلام عباده ويراهم من فوق العرش سبحانه وتعالى بتوفيق قدرته ومشيئته فيها، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى.
قال: [وقال الشافعي: خلافة أبي بكر الصديق حق قضاه الله في السماء وجمع عليه قلوب عباده].
فقوله: قضاها الله في سمائه، أي: إثبات أن الله في السماء، والرد على الجهمية.
قال: [وفي الصحيح عن أنس بن مالك قال: كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات وهذا مثل قول الشافعي].
وهذا فيه أنَّ الله فوق العرش فوق سبع سماوات، وذلك أن الله سبحانه وتعالى زوج نبيَّه زينب لما طلقها زيد بن حارثة، وقد زوجها الله من فوق سبع سماوات من دون ولي، فوليها الله، ولهذا كانت تفخر على أزواج النبي وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات، قال الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:٣٧] وهذا من مناقب زينب رضي الله عنها، ودخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بدون ولي وبدون شهود، كذا بدون الشروط المعتبرة من ولي وشاهد ومهر.
قال: [وقصة أبي يوسف - صاحب أبي حنيفة - مشهورة في استتابة بشر المريسي حتى هرب منه لما أنكر الصفات وأظهر قول جهم، قد ذكرها ابن أبي حاتم وغيره].