[القاعدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: ثم القول الشامل في جميع هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما وصفه به السابقون الأولون، لا يتجاوز القرآن والحديث].
الشيخ: هذه هي القاعدة الأصل في باب الأسماء والصفات، وهي أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وينفى عنه ما نفاه عن نفسه، ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
فكل ما لم يذكر في كتاب الله أو في سنة رسوله من الأسماء والصفات لا يجوز إثباتها لله.
وقد سار السلف الصالح على هذا المنهج، وعلى هذه القاعدة في الأسماء والصفات، وهي أنه لا يثبت لله إلا ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله، وينفى عنه ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله.
وأما الأشياء والألفاظ التي لم ترد في في الكتاب أو السنة لا نفياً ولا إثباتاً فيتوقف عندها، كالجسم والحيز والعرض والجهة، وما أشبه ذلك، فإن هذه لا تثبت ولا تنفى، ومن أطلقها نفياً أو إثباتاً فيستفصل ويسأل فإذا أراد معنى حق قبل، ويرد اللفظ، فإذا أطلق أن الله جسم، نقول: ما هو المراد بالجسم؟ فإن قال: إن المراد به حسن الصفات، قلنا: هذا حق، لكن لا تقل: إنه جسم، فإنه لم يرد في الكتاب والسنة، وإذا قال: ليس بجسم، قلنا: ما مرادك؟ فإن قال: مرادي أنه منزه عن النقائص والعيوب، قلنا: هذا حق، لكن لا تقل ليس بجسم.
وإذا قال: مرادي أنه ليس بجسم، وليس له صفات، قلنا: هذا باطل، اللفظ باطل والمعنى باطل وهكذا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتجاوز القرآن والحديث.
ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل].
الشيخ: أي: لا يحرفون اللفظ ولا المعنى، ولا يعطلون الصفات أو ينفونها، ولا يكيفون بأن يقولوا: إن الله تعالى على كيفية كذا، ولا يمثلونه بشيء من مخلوقاته، كما قال الله سبحانه عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونعلم أنما وصف الله به من ذلك فهو حق، ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأنصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد].
الشيخ: وهذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو أفصح الناس، وأما المبتدعة الذين يقولون: إن الرسول أراد معنى آخر، فهؤلاء يؤولون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحملونه على غير وجهه، فيقولون: إن الرسول أراد معنى آخر، فأراد من الناس أن يفهموا قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] بمعنى آخر، والجواب عليهم بأن الرسول هو أفصح الخلق، فلو أراد المعنى الآخر لبين أن معنى استوى: استولى، أما قولكم أن الرسول أراد من الناس أن يتفهموا ويتأملوا ويخترعوا معاني أخرى، وأنه وكلهم إلى عقولهم فهو من أبطل الباطل، وكذلك من قال: أنا لا أعرف المعنى وإنما أفوض المعنى إلى الله، فقوله باطل أيضاً؛ لأن الله قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:١٧]، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:٨٢]، ولم يقل: إلا آيات الصفات لا تتدبروها، فالمعاني معروفة، والألفاظ معروفة، وإنما الكيفية هي التي تفوض إلى الله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكما يتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة: فكذلك له صفات حقيقة، وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله منزه عنه حقيقة، فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، ويمتنع عليه الحدوث لامتناع العدم عليه، واستلزام الحدوث سابقة العدم؛ ولافتقار المحدث إلى محدث، ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى.
ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعطلون أسماءه الحسنى وصفاته العلى ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويلحدون في أسماء الله وآياته.
وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل، أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فقد جمعوا بين والتمثيل والتعطيل، فمثلوا أولاً وعطلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى.
فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساوياً، وكل ذلك محال ونحو ذلك من الكلام، فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان على أي جسم كان، وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم.
أما استواء يليق بجلال الله ويختص به فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها، وصار هذا مثل قول الممثل: إذا كان للعالم صانع، فإما أن يكون جوهراً أو عرضاً، وكلاهما محال؛ إذ لا يعقل موجود إلا هذان، أو قوله: إذا كان مستوياً على العرش وهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير أو الفلك؛ إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا فإن كليهما مثل وكليهما عطل حقيقة ما وصف الله به نفسه، وامتاز الأول بتعطيل كل مسمى للاستواء الحقيقي، وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين.
والقول الفاصل: هو ما عليه الأمة الوسط من أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله، ويختص به، فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير ونحو ذلك، ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض التي كعلم المخلوقين وقدرتهم، فكذلك هو سبحانه فوق العرش، ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق وملزوماتها.
واعلم أنه ليس في العقل الصريح ولا النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريق السلفية أصلاً لكن هذا الموضع لا يتسع للجواب عن الشبهات الواردة على الحق، فمن كان في قلبه شبهة وأحب حلها فذلك سهل يسير، ثم المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة من المتأولين لهذا الباب في أمر مريج].
الشيخ: قوله: في أمر مريج، أي: في أمر مختلط، أما طريقة السلف فهي واضحة بينة لا إشكال فيها ولا غموض وهي: إثبات الأسماء والصفات لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، وأهل البدع في ذلك في أمر مريج مختلط فهم متناقضون، غير متفقين على شيء.