للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الفراسة وأنواعها]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والفراسة حق على أصول ذكرناها، وليس ذلك مما سميناه في شيء].

الفراسة يعني: خاطر يهجم على الإنسان هجوم الأسد على الفريسة، وتشتق الفراسة من الفريسة، يعني: يهجم عليه فيعطيه الله نوراً، وفي الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) وسببه نور يقذفه الله في قلب عبده المؤمن، وهناك فراسة رياضية، وهذه يعملها الصوفية والفلاسفة، وهي أن يجوع نفسه ويقلل من الأكل؛ حتى يصح بدنه، وكذلك يقلل من النوم، مثل ما يسميه بعض الناس: رجيماً، وهذه يفعلها كثيروا الوهم والأطباء.

وهناك فراسة أيضاً خلقية، وهي: الاستدلال بالخلق على الخلق، وهذه أيضاً دائرة بين المدح والذم، وهناك فراسة إيمانية وهي التي ذكرها المؤلف، وهي نور يقذفه الله في قلب العبد، فالفراسة الرياضية دائرة بين المدح والذم، وقد تصدق وقد لا تصدق، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر، بأن يقلل الأكل ويقلل النوم؛ حتى يصح بدنه، والفراسة الخلقية: الاستدلال بالخلق على الخلق، كأن يقول: طول الرقبة دليل على الغباوة وقصر الرقبة على الحماقة، وجمود العينين على بلادة صاحبها، وسعة الصدر على سعة الخلق، وهذه الفراسة قد تصيب وقد لا تصيب، ومشتركة بين المؤمن والكافر، ويقال لها: فراسة خلقية، والمهم الفراسة الإيمانية، فقد ورد الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) والحديث ذكره الألباني رحمه الله وقال: إنه ضعيف، ولكن الحديث له طرق ساقها الحافظ ابن كثير رحمه الله في سورة الحجر، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:٧٥] وساق له عدة طرق يشد بعضها بعضاً لا بأس بها، وإن ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله، وهو محدث كبير، فالحديث معروف عند أهل العلم وهو حسن.

قال في التحقيق: [وأشهر دليل يستدل به على الفراسة حديث ابن عمر وأبي سعيد وأبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) رواه الترمذي، وقال الترمذي: وهذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روي عن بعض أهل العلم، ورواه ابن جرير في تفسيره، والطبراني في المعجم الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والعقيلي في الضعفاء، وذكره الهيثمي في المجمع وحسن إسناده، وذكره الكناني في تنزيه الشريعة وحسنه، وذكره أيضاً العجلوني في كشف الخفاء وحسن إسناده.

وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة بعد ذكر الحديث: وعندي أن الحديث حسن لغيره، وأما صحيح فلا، وذكر بعض الشواهد، وذكره ابن حجر في الفتح، وسكت عنه، هذا مجمل ما قيل في هذا الحديث الذي يعتبر أشهر الأدلة على الفراسة، وقد علق ابن القيم على هذا الحديث بقوله: وهذه الفراسة نشأت له من قربه من الله].

وفات على المحقق ما ذكره الحافظ ابن كثير في تفسير آية: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:٧٥].

وقال أيضاً: [ومما يستدل به على الفراسة قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:٧٥] قال مجاهد وغيره: أي للمتفرسين.

وإلى هذا القول ذهب ابن جرير وأبو عيسى الترمذي، ونسب ابن القيم هذا القول لـ ابن عباس، وقد علق ابن القيم على هذا الحديث بقوله: وهذه الفراسة نشأت له من قربه من الله، فإن القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السوء المانعة من معرفة الحق وإدراكه، وكان تلاقيهم من مشكاة قريبة من الله؛ بحسب قربه منه، وأضاء له النور بقدر قربه، فرأى في ذلك النور ما لم يره البعيد والمحجوب.

وقسم الفراسة إلى ثلاثة أقسام: الأولى: الفراسة الإيمانية، وهي التي سبقت الإشارة إليها.

الثانية: فراسة الرياضة، والجوع، والسهر والتخلي.

وقال: فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها، وذكر أن هذا القسم مشترك بين الكافر والمؤمن، وهي ليست دليلاً على إيمان أو ولاية.

الثالثة: فراسة خلقية: وهي التي يستدل بالخلق على الخلق، نحو قولهم: من كان كثير لحم الخدين فهو غليظ الطبع، ومن كان عنقه قصيراً جداً فهو ذو مكر ونحو ذلك].

ومن كان طويل الرقبة فهو غبي، ومن كان قصيرها فهو ذكي يعني: كل هذه استدلالات قد تصيب وقد تخطئ، فهي مشتركة دائرة بين المدح وبين الذم، وبين الصدق والكذب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والفراسة حق على أصول ذكرناها وليس ذلك مما سميناه في شيء، ومن زعم أن صفاته قائمة بصفاته ويشير في ذلك إلى غير آية العصمة والتوفيق والهداية، وأشار إلى صفاته عز وجل القديمة فهو حلولي].

قوله: (ومن زعم أن صفاته قائمة بصفاته).

يعني: صفات المخلوق قائمة في صفات الخالق، فهو حلولي.

قال: [ومن زعم أن صفاته قائمة بصفاته، ويشير في ذلك إلى غير آية العصمة والتوفيق والهداية، وأشار إلى صفاته عز وجل القديمة فهو حلولي قائل باللاهوتية والالتحام، وذلك كفر لا محالة].

يعني: شابه قول النصارى الذين يقولون: اللاهوت حل في الناسوت، بمعنى: حل جزء من الله في جزء من الناس، وقالوا: إن الله حل في عيسى نعوذ بالله، وهذا هو معنى أن اللاهوت حل في الناسوت كحلول الماء في الإناء، وكذلك قول غلاة الرافضة: إن الله حل في علي أو في أئمة آل البيت، وهذا حلول خاص، والحلول العام كقول الحلولية: إن الله حل بالناس وبكل مكان، وهناك اتحاد خاص، وهو قول النصارى: إن الرب اتحد بعيسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>