قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وكقول الجهمي: من قال: إن الله فوق العرش فقد زعم أنه محصور، وأنه جسم مركب، وأنه مشابه لخلقه].
هذه ملازمة باطلة، فالجهمي يقول: من قال: إن الله فوق العرش فقد تنقص الرب بأن جعله جسماً محدوداً ومتحيزاً، فلا تقل: إن الله فوق العرش؛ لأنك إذا قلت: إنه فوق العرش فقد جعلته جسماً؛ لأنه لا يمكن أن يكون شيء فوق شيء إلا أن يكون جسماً، وإذا كان جسماً صار مركباً من أجزاء، وهذا باطل، وكل جسم مركب فهو مشابه للمخلوقات، والأجسام متماثلة، وقد جعلته أيضاً محصوراً في جهة واحدة، وهذا تنقص لله؛ لأن هذا المحصور هو المخلوق الضعيف الذي يكون في جهة واحدة! أما هو فهو ذاهب في جميع الجهات! ونقول: إن هذا من أبطل الباطل، فالعرش هو سقف المخلوقات ونهايتها، والله تعالى فوق العرش، وهو سبحانه ليس كالمخلوقات، فهو أعظم من كل شيء وأكبر من كل شيء سبحانه وتعالى، وليس مماثلاً للمخلوقات، فهذه الملازمة باطلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وكقول الجهمية والمعتزلة: من قال: إن لله علماً وقدرة فقد زعم أنه جسم مركب وهو مشبه؛ لأن هذه الصفات أعراض والعرض لا يقوم إلا بجوهر متحيز، وكل متحيز جسم مركب أو جوهر فرد، ومن قال ذلك فهو مشبه؛ لأن الأجسام متماثلة].
عند المعتزلة والجهمية وغيرهم أن من أثبت الصفات لله فهو مشبه؛ لأن الصفات تكون أعراضاً، والعرض لا يقوم إلا بجسم، والأجسام لا بد أن تكون مركبة ومتشابهة، فيلزم من إثبات الصفات أن يكون الرب مشابهاً للمخلوقات؛ لأن الصفات عرض، والعرض لا يقوم إلا بجوهر أو بجسم، والجوهر أو الجسم هو: الشيء القائم بنفسه مثل الجدار، والصفات مثل البياض في الجدار وهي الأعراض، فالبياض لا يمكن أن يقوم وحده، بل لا يقوم إلا بجسم، والأجسام يشبه بعضها بعضاً، فلو كان الله متصفاً بصفات لكان جسماً، ولو كان جسماً لكان مشابهاً للمخلوقات، والله ليس كمثله شيء، إذاً ليس له صفات، هكذا يقولون! وهذا من أبطل الباطل.
فنقول: من قال لكم: إنه يلزم من الصفات التشبيه؟! فالله تعالى لا يماثل أحداً من المخلوقات، بل له صفات تخصه، والمخلوق له صفات تخصه، فهذه الملازمة إنما هي في المخلوقات، فالمخلوقات متصفة بصفات لا شك أنها أجسام وذوات يشبه بعضها بعضاً، لكن الله تعالى لا يماثل أحداً من مخلوقاته، فالمخلوق له ذات تخصه وله صفات تخصه، والخالق له ذات تخصه وله صفات تخصه.
والجوهر الفرد هو: الذي لا يقبل الانقسام، وأهل البدع بنوا دينهم على الجوهر الفرد، ولم يثبتوا وجود الله إلا من جهة الجوهر الفرد، فدينهم مبني على الجوهر الفرد، والجوهر الفرد من أهل النظر من قال بأنه لا وجود له كما ذكر المؤلف رحمه الله، وهم يقولون بأن الجوهر الفرد هو: الجسم الذي لا يقبل الانقسام، إذ كل شيء الآن من الممكن أن يتجزأ حتى يصل إلى جسم صغير، وقد دلت النصوص على أن جسم الإنسان يبلى، وأنه لا يبقى منه إلا عجب الذنب، وقد ذكر شيخ الإسلام عن بعض العقلاء بأنه لا وجود لشيء اسمه الجوهر الفرد وهم مختلفون في هذا.