[بعض المسائل العقدية التي فيها الخلاف بين أهل السنة وغيرهم، وقول أهل السنة فيها]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قال: وكان الاختلاف في (خلق الأفعال)، هل هي مقدرة أم لا؟ قال: وقولنا فيها: أن أفعال العباد مقدرة معلومة، وذكر إثبات القدر].
يعني: أن الله تعالى قدر الأشياء كلها: الذوات والصفات والأفعال، قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:٩٦]، فهي مقدرة مخلوقة، خلقها الله عز وجل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ذكر الخلاف في أهل (الكبائر) ومسألة (الأسماء والأحكام)، وقال: قولنا فيها: أنهم مؤمنون على الإطلاق، وأمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم].
يعني: أن أهل الكبائر إذا كانت الكبيرة لا تخرجه عن دائرة الإيمان؛ فإنها لا تخرجه من الإسلام، بل يكون مؤمناً ضعيف الإيمان، كالزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه وقاطع الرحم، وهذا إذا لم يستحل هذه الكبيرة، وهو تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وكذلك البدع التي لا توصل إلى الكفر كلها تضعف الإيمان، ولا تخرج منه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال: أصل الإيمان موهوبة يتولد منها أفعال العباد، فيكون أصل التصديق والإقرار والأعمال، وذكر الخلاف في زيادة الإيمان ونقصانه، وقال: قولنا: أنه يزيد وينقص].
وهذا قول أهل السنة والجماعة، أن الإيمان يزيد وينقص، وأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، خلافاً لمرجئة الفقهاء كأهل الكوفة وأبي حنيفة وأصحابه، فإنهم قالوا: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وهذا قول مرجوح، والصواب: أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: ثم كان الاختلاف في القرآن، مخلوقاً وغير مخلوق، فقولنا وقول أئمتنا: إن القرآن كلام الله غير مخلوق وإنه صفة الله، منه بدأ قولاً، وإليه يعود حكماً].
هذا هو الصواب: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وقد كفر الأئمة من قال إنه مخلوق، قالوا: من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر، وممن قال ذلك الإمام أحمد وجماعة، وهذا على العموم، أما المعين فلا بد أن تقوم عليه الحجة.
ومعنى (منه بدأ): أن الله تكلم به، و (إليه يعود) أي: في آخر الزمان حينما يترك الناس العمل به فينزع من الصدور، ومن المصاحف، نسأل الله السلامة والعافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ذكر الخلاف في الرؤية، وقال: قولنا وقول أئمتنا فيما نعتقد أن الله يرى في القيامة، وذكر الحجة].
والنصوص الواردة في إثبات الرؤية في القرآن واضحة، وفي السنة متواترة؛ ولهذا قال الأئمة: من أنكر رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة كفر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قال: اعلم رحمك الله أني ذكرت أحكام الاختلاف على ما ورد من ترتيب المحدثين في كل الأزمنة، وقد بدأت أن أذكر أحكام الجمل من العقود، فأقول: ونعتقد أن الله عز وجل له عرش، وهو على عرشه فوق سبع سماواته، بكل أسمائه وصفاته، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، وقال: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ} [السجدة:٥]، ولا نقول: إنه في الأرض كما هو في السماء على عرشه؛ لأنه عالم بما يجري على عباده، {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:٥]].
وهذا فيه إثبات العرش، وإثبات أن الله فوق العرش، وإثبات العلو لله عز وجل، وهذا ثابت بالأدلة الكثيرة الواضحة من الكتاب والسنة، حتى إن العلماء بينوا أن نصوص العلو والفوقية تزيد أفرادها على ثلاثة آلاف دليل: منها: أن الله قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤]، في سبعة مواضع، وقال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]، وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:٢٥٥]، وقال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١]، وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:١٨]، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:١٥٨]، وقال: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:٤]، إلى غير ذلك من أنواع الأدلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى أن قال: ونعتقد أن الله تعالى خلق الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان للبقاء لا للفناء، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا: إنهما معدومتان الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة؛ لأن وجودهما الآن ولا جزاء عبث، والعبث محال على الله، هكذا يزعمون، وهذا من أبطل الباطل، فالنصوص دلت على أنهما موجودتان، قال الله تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] وقال عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤]، والمؤمن في قبره يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له في قبره باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، والجنة فيها الحور، فهما موجودتان الآن، وهما دائمتان لا تفنيان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى أن قال: ونعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج بنفسه إلى سدرة المنتهى، إلى أن قال: ونعتقد أن الله قبض قبضتين فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار].
عرج به عليه الصلاة والسلام حتى جاوز السبع الطباق، ووصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، ذلك الإيمان بالقدر، وأنه قبض قبضتين قال في إحداهما: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، وكل صائر إلى ما قدر الله، فأهل السعادة ييسرهم الله لأهل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرهم لعمل أهل الشقاوة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونعتقد أن للرسول صلى الله عليه وسلم حوضاً، ونعتقد أنه أول شافع وأول مشفع].
من حيث إثبات الحوض، هذا ثابت في النصوص المتواترة، وأن له هذا الحوض في يوم القيامة، يصب فيه ميزابان من ماء الكوثر، طوله مسافة شهر وعرضه مسافة شهر، وأوانيه عدد نجوم السماء، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
وهو عليه الصلاة والسلام الشافع المشفع في المحشر، فهو عليه الصلاة والسلام له الشفاعة العظمى يوم القيامة عامة، يشفع في الخلائق مؤمنهم وكافرهم، عامة للمؤمنين والكفار؛ لأنها لراحة النفس من موقف الحساب، ثم الشفاعة لأهل الجنة الذين يؤذن لهم في دخولها، ثم الشفاعة لرفع درجات القوم من أهل الجنة، ثم الشفاعة في قوم استحقوا دخول النار ألا يدخلوها، وفيمن دخلها حتى يخرج منها من العصاة، وهذه تواترت بها النصوص ووردت فيها الأحاديث، ومع ذلك أنكرها الخوارج والمعتزلة؛ لجهلهم وضلالهم.
قال: [وذكر الصراط والميزان والموت، وأن المقتول قتل بأجله واستوفى رزقه].
هذا الصراط والميزان أثبتهما الله في كتابه، وأن الصراط صراط حسي والميزان ميزان حسي؛ لأنه توزن فيه الأعمال والأشخاص، والصراط يمر الناس عليه على متن جهنم.
وقوله: (قتل بأجله) هذا هو الصواب؛ لأن الله تعالى قدر الآجال خلاف المعتزلة القائلين: المقتول قتل عليه أجله، وأنه لو لم يقتل لعاش، وهذا باطل.
قال: [ومما نعتقد: (أن الله ينزل كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، فيبسط يده فيقول: ألا هل من سائل) الحديث.
وليلة النصف، وعشية عرفة، وذكر الحديث في ذلك].
هذا كلام أبي عبد الله بن خفيف، واسمه: محمد بن خفيف الضبي الفارسي الشيرازي أبو عبد الله من مشايخ الصوفية، وقد رحل وحج مراراً، وله مؤلفات كثيرة، قال أبو عباس الفسوي: صنف شيخنا ابن خفيف من الكتب ما لم يصنفه أحد، وانتفع به جماعة صاروا أئمة يقتدى بهم، وعمر حتى عم نفعه البلدان، وقال الذهبي عنه: قد كان هذا الشيخ جمع بين العلم والعمل، وعلو السند، والتمسك بالسنن، ومتع بطول العمر في الطاعة، ولد حوالي سنة (٢٦٨) وتوفي سنة (٣٧١)، من مؤلفاته: الوصية، العقيدة أو المعتقد، كتاب الاقتصاد.
وهذا الحديث رواه الشيخان وأصحاب السنن، ونزول الرب من الأحاديث المتواترة، وهو من الصفات التي تكون لله جل جلاله كسائر الصفات.
وأما نزوله في ليلة النصف من شعبان فغير صحيح، هذا قول ضعيف، والأحاديث التي فيها باطلة أو ضعيفة جداً، فإن الله ينزل ليلة النصف وغيرها في كل ليلة، أما تخصيص ليلة النصف فلا أعلم له أصلاً، وبعضهم قال: إنها ليلة القدر، وقال بعضهم متخصص بقيام خاص وباستفادة خاصة أو بأركان خاصة يقرأ فيها ويصلي فيها اثني عشر ركعة، والركعة الأولى يقرأ: قل هو الله أحد ثلاثين مرة، والفاتحة كذا عشر مرات، كل هذا من البدع وليس له أصل، والصواب: أن الشيخ رحمه الله ينقل عن غيره، وقصد بذلك مبيناً معتقد أهل السنة والجماعة، وقد يكون في بعض ما ينقل ملحوظات، أو قصد أنه يرد على هذا ويبينها رحمه الله، فهو ما أراد أن يتتبع بعض الأقوال الضعيفة، إنما قصده من ذلك أن ينقل نقولاً تؤيد معتقد أهل السنة والجماعة في الصفات وفي النزول، أما فيما أخبر فيه من مسألة فرعية في نزول ليلة النصف فهذا قول ضعيف.
وأما نزوله سبحانه عشية عرفة فهذا ثابت، أنه ينزل عشية عرفة يباهي بأهل الموقف الملائكة.
قال: [ونعتقد: أن الله كلم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً].
وهذا كذلك فيه إثبات الكلام لله بنص القرآن الكريم، وقد أنكر الجعد بن درهم هاتين الصفتين، وهو أول من حفظ عنه في الإسلام نفي الصفات، وكان ممن تكلم عن الخلة والتكليم، فادعى أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، فضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواصل وقتله، وكان هذا بفتوى من علماء زمانه، وكان أكثرهم من التابعين، وشكر له العلماء ذلك، فقد قتله يوم عيد الأضحى، وذل