[الاعتماد على العقل سبب من أسباب الضلال في باب صفات الله]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن من ينكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها وأنه مضطر فيها إلى التأويل، ومن يحيل أن لله علماً وقدرة وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول: إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل].
الشيخ: أي: أن كل طائفة تدعي أن عقلها اضطرها إلى التأويل، فالذي ينكر رؤية الله يوم القيامة يقول: العقل يحيل أن يرى الله يوم القيامة؛ لأن الرؤية لا تكون إلا لجسم متحيز، والله ليس جسماً ولا متحيزاً، فإذا كان كذلك فيستحيل أن يرى، فنفوا الرؤية.
والذين يقولون: ليس لله علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر، قالوا: يستحيل أن نصف الله بهذه الصفات؛ لأن هذا فيه تشبيه بالمخلوقات، فكل طائفة تدعي أن عقلها أحال ذلك، وهم في أمر مختلط، لا يضبطهم ضابط؛ لأنهم رجعوا إلى العقول والعقول متباينة متضادة متضاربة.
على أن الله سبحانه وتعالى لم يحلهم إلى العقول، وإنما أنزل كتابه، ثم أنزل على نبيه الوحي الثاني وهي السنة؛ ليرجع الناس إلى الكتاب والسنة ويعملوا بهما؛ لئلا يرجعوا إلى عقولهم، وزبالة أذهانهم، وحاسة أفكارهم الغير منضبطة فينحرفوا عن الجادة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد والأكل والشرب الحقيقي في الجنة: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل].
الشيخ: حتى الكفرة ممن ينكر البعث وحشر الأجساد، يقولون: العقل يحيل هذا، ومن هؤلاء الكفرة ابن سينا وغيره، فقد أنكر أن الأجساد تعاد، بل قال: كيف تعاد الأجساد بعد أن بليت وصارت تراباً، وزعم أن ذلك مستحيل، وقال: إنما الذي يعاد الروح، ومثل هذا الباب إذا فتح ضاع الدين.
وكذلك الذين ينفون الفوقية والعلو يقولون: يستحيل أن يكون الله فوق العرش؛ لأنه إذا صار فوق العرش، صار متحيزاً ومحدوداً وجسماً، وهذا تنقص، والله أعلى من أن يكون جسماً، وأن يكون محدوداً، فإذاً يستحيل أن يكون فوق العرش.
ولو سئلوا: أين يكون؟ أجابوا فقال: بعضهم: يكون في كل مكان.
وقال آخرون: ننفي النقيضين فنقول: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصل به ولا منفصل عنه.
وليت شعري ما يكون بزعمكم وإن لم يكن العدم، وهذا أعظم من سابقيه، وهؤلاء قوم قد استحوذ عليهم الشيطان، وأوصلهم إلى هذه الحالة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكفيك دليلاً على فساد قول هؤلاء: أن ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل, بل منهم من يزعم أن العقل جوز أو أوجب ما يدعي الآخر أن العقل أحاله].
الشيخ: يريد أصحاب العقول المتضاربة، فهذا يدعي أن العقل يجيز هذا، والآخر يدعي أن العقل يمنع هذا، وهو شيء واحد، بعضهم يدعي أن العقل أجازه وبعضهم يدعي أن العقل منعه، فالآراء متضاربة، هم يقولون: إن الله أحالنا إلى العقول، فأي عقل نرجع إليه؟! إن رجعنا إلى عقول المشبهة قالوا: إن الله له صفات مثل صفات المخلوقين، وإن رجعنا إلى عقول المعطلة، قالوا: إن الله ليس له صفات، فإلى أي عقل نرجع؟ كفاهم وصفاً فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ مضطرب متضارب، فبعضهم يزعم أن العقل يوجب إثبات الصفات مثل صفات المخلوقين، وبعضهم يقول: إن العقل يحيل أن تثبت صفات الله.