[بيان كمال علم النبي صلى الله عليه وسلم وفصاحته ونصحه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه، ومن المعلوم للمؤمنين أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، وأنه بين للناس ما أخبرهم به من أمور الإيمان بالله واليوم الآخر.
والإيمان بالله واليوم الآخر: يتضمن الإيمان بالمبدأ والمعاد، وهو الإيمان بالخلق والبعث كما جمع بينهما في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:٨]].
الشيخ: إن الله تعالى بعث رسوله بالهدى ودين الحق، والهدى ودين الحق أصله الإيمان بالمبدأ والمعاد، والخالق والرازق والمدبر والمحيي والمميت والمستحق للعبادة، وأن الله يبعث من في القبور، ويجازيهم ويحاسبهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:٢٨]، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم:٢٧]، وقد بين الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ما هدى الله به عباده، وكشف به مراده.
ومعلوم للمؤمنين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بذلك من غيره، وأنصح للأمة من غيره وأفصح من غيره عبارة وبياناً، بل هو أعلم الخلق بذلك، وأنصح الخلق للأمة وأفصحهم، وقد اجتمع في حقه صلى الله عليه وسلم كمال العلم والقدرة والإرادة].
الشيخ: قوله: كمال العلم، أي: فهو عالم ليس بجاهل عليه الصلاة والسلام، وكمال القدرة، أي: القدرة على الإفصاح، وعنده إرادة ورغبة فهو يريد أن يبلغ رسالة ربه، حتى إن الله تعالى قال لنبيه: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:٦]، أي: كاد يهلك نفسه في إبلاغهم وهدايتهم أسفاً عليهم إذا لم يؤمنوا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومعلوم أن المتكلم أو الفاعل إذا كمل علمه وقدرته وإرادته كمل كلامه وفعله، وإنما يدخل النقص إما من نقص علمه، وإما من عجزه عن بيان علمه، وإما لعدم إرادته البيان].
وهذا في حق الرسول محال فهو أعلم الخلق وأنصح الخلق وأفصحهم، وعنده قدرة على البيان، فقد علمه الله تعالى وسدده، وعنده إرادة ورغبة وقوة في تبليغ رسالة ربه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والرسول صلى الله عليه وسلم هو الغاية في كمال العلم، والغاية في كمال إرادة البلاغ المبين، والغاية في القدرة على البلاغ المبين، ومع وجود القدرة التامة والإرادة الجازمة يجب وجود المراد؛ فعلم قطعاً أن ما بينه من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر حصل به مراده من البيان، وما أراده من البيان هو مطابق لعلمه، وعلمه بذلك أكمل العلوم.
فكل من ظن أن غير الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم بهذه منه، أو أكمل بياناً منه، أو أحرص على هدي الخلق منه فهو من الملحدين لا من المؤمنين].
الشيخ: من ذلك ما يقوله بعض الفلاسفة، حيث يقولون: إن الرسول ما علم، وبعض المجهلة يقولون: الرسول لا يعلم معاني الصفات، ولكن الفلاسفة يعلمونها، وكذلك الأولياء، وبعضهم يقول: علمها ولكن ما بينها، وإنما كتمها؛ لأن مصلحة الناس في أن يكتمها؛ لأنه يخاطبهم من باب الخطاب الجمهوري، فهو يخاطبهم بما يصلح الجمهور وإن كان كذباً، وبعضهم يقول: إن الرسول ما بين الحقائق، وهو يعلمها؛ لأن مصلحة الناس في هذا، فهو وإن كان كاذباً، لكنه كذب لهم ولم يكذب عليهم، فهو كذب لمصحلة.
وهذا كلام باطل، فالرسول عليه الصلاة والسلام أكمل الخلق وأعلم الخلق وأنصح الخلق وأقدرهم على البيان، وأتمهم إرادة عليه الصلاة والسلام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن سلك سبيل السلف هم في هذا الباب على سبيل الاستقامة].
الشيخ: أي: أنهم في باب الأسماء والصفات، وباب المعاد والجزاء والحساب على سبيل الاستقامة، يعملون بالنصوص، فيثبتون لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته رسوله من الأسماء والصفات، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، ويثبتون البعث والمعاد والجزاء والنشور، وأما أعداؤهم، أعداء الرسل فهم على طبقات ثلاث: أهل التخييل؛ وأهل التأويل؛ وأهل التجهيل.