[الجهمية وبشر المريسي]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم لما عربت الكتب الرومية واليونانية في حدود المائة الثانية زاد البلاء مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداء من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم، ولما كان في حدود المائة الثالثة انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها: مقالة الجهمية؛ بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته].
الشيخ: فـ بشر المريسي تنسب إليه الطائفة المريسية، والطائفة المريسية هم جهمية، واشتهر المريسي بإظهار مقالة الجهمية، ونسبت إليه المريسية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكلام الأئمة مثل مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم كثير في ذمهم وتضليلهم].
الشيخ: ولهم مؤلفات في الرد عليهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذه التأويلات الموجودة اليوم.
بأيدي الناس -مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلات، وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه تأسيس التقديس، ويوجد كثير منها في كلام خلق غير هؤلاء، مثل أبي علي الجبائي وعبد الجبار بن أحمد الهمداني وأبي حسين البصري وأبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي وغيرهم- هي بعينها تأويلات بشر المريسي التي ذكرها في كتابه، وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضاً، ولهم كلام حسن في أشياء، فإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات بشر المريسي].
الشيخ: قوله: وعبد الجبار بن أحمد الهمذاني: نسبة إلى قبيلة همدان، وهو عبد الجبار بن أحمد بن الخليل أبو الحسن الهمداني المشهور بالقاضي عبد الجبار من أئمة المعتزلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات المريسي، ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي، أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري، صنف كتاباً سماه: رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افتراه على الله في التوحيد، حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها، وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين، الذين اتصلت إليهم من جهته وجهة غيره.
ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي علم حقيقة ما كان عليه السلف، وتبين له ظهور الحجة في طريقهم، وضعف حجة من خالفهم.
ثم إذا رأى الأئمة -أئمة الهدى- قد أجمعوا على ذم المريسية، وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم].
الشيخ: والمريسية جهمية، على مذهب الجهم، لكنهم نسبوا إلى المريسي؛ لأنه تزعم هذه الطائفة فنسبوا إليه وهم جهمية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين هو مذهب المريسية، تبين الهدى لمن يريد الله هدايته ولا حول ولا قوة إلا بالله، والفتوى لا تحتمل البسط في هذا الباب، وإنما نشير إشارة إلى مبادئ الأمور، والعاقل يسير فينظر].
الشيخ: وعلى هذا ذهب أكثر العلماء إلى تكفيرهم، ومنهم من بدعهم، ومن العلماء من كفر رؤساءهم وبدع عامتهم.
جاءوا في القرون المتأخرة على مذهب المريسية في القرن الثالث كلهم أنكر أسماء الله وصفاته، فكفرهم العلماء.
لكن المعين منهم لابد أن تقوم عليه الحجة.
وقوله: والفتوى لا تحتمل البسط، أي: الفتوى الحموية.