قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال أبو عبد الله -أي: ابن خفيف -: ومما نقول وهو قول أئمتنا: أن الفقير إذا احتاج وصبر ولم يتكفف إلى وقت يفتح الله له كان أعلى، فمن عجز عن الصبر كان السؤال أولى به على قوله صلى الله عليه وسلم:(لأن يأخذ أحدكم حبله) الحديث].
يعني: الفقير إذا صبر ولم يسأل الناس فهذا خير له وأفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:(ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله)، فإذا استعف وتصبر وصبر فهو أفضل، وإن عجز واستعان فله أن يسأل؛ لأن الوعيد إنما جاء فيمن سأل من غير حاجة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً) وهذا سأل لضرورة فلا بأس بذلك.
ومما جاء في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لأن يأخذ أحدكم أحبله فيحتطب فيبيع فيكف الله به وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وجاء في حديث آخر:(لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم).
ويشير الله تعالى إلى المضطر لذلك بقوله:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:٢٤ - ٢٥].
وأما ما حدث في زماننا هذا من وقوف السائل في المساجد فهذا فيه تفصيل: إن كان يُعلم أنه ليس محتاجاً فيجب أن يمنع ويزجر ويؤدب، وإن كان يعلم أنه محتاج فلا يمنع، وإن كان يجهل حاله ترك؛ لاحتمال أن يكون محتاجاً، لكن لا ينبغي له أن يشوش على الناس في المسجد بوقوفه وسؤال الناس بعد الصلاة، بل الأفضل أن يجلس عند الباب أو في مكان ما؛ حتى يبتعد عن التشويش.
فإن قال قائل: وهل يجوز السؤال في المسجد؟ قلنا: نعم، يجوز؛ لأنه قد لا يجد حاجته إلا في المسجد، ولما جاء عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم:(من تصدق منكم اليوم على مسكين، قال أبو بكر: أنا، دخلت المسجد فوجدت سائلاً أو مسكيناً فأعطيته رغيفاً).