[الإيمان بالحجب]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قال: باب الإيمان بالحجب، قال: ومن قول أهل السنة.
أن الله بائن من خلقه يحتجب عنهم بالحجب، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:٥] وذكر آثاراً في الحجب، ثم قال -في باب (الإيمان بالنزول) -: ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا في حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره إلى أن قال: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد، قال: ومن أدركت من المشايخ مالك وسفيان الثوري وفضيل بن عياض وعيسى بن المبارك ووكيع: كانوا يقولون: إن النزول حق، قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول قال: نعم أؤمن به ولا أحد فيه حداً، وسألت عنه ابن معين فقال: نعم، أقر به، ولا أحد فيه حداً.
قال محمد: وهذا الحديث يبين أن الله عز وجل على العرش في السماء دون الأرض، وهو أيضاً بين في كتاب الله، وفي غير حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:٥].
وقال تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:١٦ - ١٧].
وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠].
وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:١٨].
وقال تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:٥٥].
وقال تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:١٥٨].
وذكر من طريق مالك: قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: فأعتقها فإنها مؤمنة)].
كل هذه أدلة واضحة، فالرفع يكون من أسفل إلى أعلى والصعود كذلك، والجارية أجابت أن الله في السماء، فدل على أن الله في العلو، وقال: وأهل البدع أنكروا أن يسأل عن الله بأين، قالوا: هذا سؤالٌ فاسد، وأقرها على الجواب الفاسد، هكذا اتهموا الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال: [قال: والأحاديث مثل هذا كثيرة جداً فسبحان من علمه بما في السماء كعلمه بما في الأرض، لا إله إلا هو العلي العظيم.
وقال قبل ذلك في باب (الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه) قال: واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً والعجز عن ما لم يدع إليه إيماناً، وأنهم إنما ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم].
يعني: يقفون عند هذا الحد ينتهون إليه ولا يزيدون.
قال: [وقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨]].
يثبت أن لله وجهاً.
قال: [وقال تعالى: {قُلْ أي شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:١٩]].
يثبت أن الله شيء.
قال: [{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨]].
فيها إثبات النفس لله.
قال: [وقال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر:٢٩]].
فيها أثبات أن لله روح.
قال: [{رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:٤٨]].
فيها إثبات أن الله يرى.
قال: [وقال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩]].
فيها إثبات أن الله يرى.
قال: [وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤]].
فيها إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى.
قال: [وقال تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:٦٧]].
فيها إثبات القبضة لله.
قال: [وقال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]].
فيها إثبات السمع والرؤية.
قال: [{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤]].
فيها إثبات أن الله يتكلم مع من شاء من خلقه.
قال: وقال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:٣٥]، وقال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥].
وقال تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:٣] ومثل هذا فالقرآن كثير.
فهو تبارك وتعالى نور السموات والأرض، كما أخبر عن نفسه، وله وجه ونفس وغير ذلك مما وصف به نفسه، ويسمع ويرى ويتكلم، هو الأول لا شيء قبله، والآخر الباقي إلى غير نهاية ولا شيء بعده، والظاهر العالي فوق كل شيء، والباطن، بطن علمه بخلقه فقال: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٩]].
وهذا كما فسر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح هذه الأسماء (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء).
قال: [قيوم حيٌّ {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥].
وذكر أحاديث الصفات ثم قال: فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه، ووصفه بها نبيه، وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] لم تره العيون فتحده كيف هو؟ ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان].