للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقةً ليس في المسألةِ مِنْ كلامِ أهلِ العلمِ إلا نزرٌ يسيرٌ عند بعضِ الحنفيةِ (١)؛ فقد نَقَلَ ابنُ عابدين عن بعضِ علماءِ مذهبِه تسمية هذه الحالة تلفيقًا (٢)، وقد ذَهَبَ إليه ابنُ نجيمٍ (٣).

لكنَّ ابنَ عابدين اختارَ خلافَ ما قرّره بعضُ علماءِ مذهبِه، فَذَهَبَ إلى أنَّ التلفيقَ لا يكونُ إلا بين المذاهبِ الفقهيةِ، ولا يدخلُ فيه تركيبُ كيفيةٍ مِنْ أقوالِ الإمامِ وأصحابِه؟ لأنَّ أقوالَ أصحابِ الإمامِ لا تخرجُ عن مسمَّى المذهبِ، فهي بمنزلةِ أقوالِ الإمامِ، أو هي أقوالٌ مرويةٌ عنه، وإنَّما نُسِبَتْ إلى أصحابِه؛ لاستنباطِهم لها مِنْ قواعدِه، إذ هي مبنيةٌ على أصولِ إمامِهم (٤).

يقولُ الدكتورُ محمدٌ الدويش مناقشًا ما علّلَ به ابنُ عابدين: "هذا مخالفٌ للواقعِ؛ إذ لأولئك - أيْ: أصحاب الإمام أبي حنيفة - آراء لا ترجعُ إلى أقوالِ أبي حنيفة، ولا تتخرّجُ على قواعدِه، وقد تتفق مع أقوالِ آخرين من مذاهب أخرى، فما الفرقُ بين أنْ يخالفَ الإمامَ أبا حنيفةَ أحدُ أصحابِه، أو أحدُ الشافعيةِ أو المالكيةِ أو الحنابلةِ أو غيرهم؟ " (٥).

وقد نَازعَ منيبٌ النابلسي - كما نقله عنه محمدُ الباني - ما قرره ابنُ عابدين، ووَصَفَه بأنَّه "لا وجهَ له، بل هو تحكّمٌ صِرْفٌ" (٦).

وذَهَبَ الشيخُ محمدٌ السنهوري (٧)، والدكتور سيّد الأفغانستاني (٨)، والدكتور محمد الدويش (٩) إلى أنَّ التلفيقَ كما يكون بين المذاهبِ، فإنَّه


(١) انظر: التلفيق وموقف الأصوليين منه للدكتور محمد الدويش (ص/ ١٧٩).
(٢) انظر: تنقيح الفتاوى الحامدية (١/ ١٠٨ - ١٠٩).
(٣) انظر: رسائل ابن نجيم (ص/ ٢٤٠).
(٤) انظر: تنقيح الفتاوى الحامدية (١/ ١٠٩).
(٥) التلفيق وموقف الأصوليين منه (ص/ ١٨١). وانظر: مجلة المنار، المجلد العاشر (٤/ ٣٦٥).
(٦) عمدة التحقيق (ص/١٠٨).
(٧) انظر: التلفيق بين أحكام المذاهب، مجلة البحوث الإسلامية بالأزهر (١/ ٨٢).
(٨) انظر: الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه (ص/ ٥٥٣).
(٩) انظر: التلفيق وموقف الأصوليين منه (ص/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>