للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مثلوا للتلفيقِ المتفق على منعِه بقولِ الشاعرِ ابنِ الرومي (١):

أحلَّ العراقيُّ النبيذَ وشربَه ... وقال: الحرامانِ المدامةُ والسكرُ

وقال الحجازيُّ: الشرابانِ واحد ... فحلَّتْ لنا بين اختلافِهما الخمرُ

سآخذ مِنْ قوليهما طرفيهما ... وأشربها لا فارق الوازرَ الوزرُ (٢)

واختلفوا فيما عدا هذه الحالة.

• الأقوال في المسألة:

اختلفَ العلماءُ في المسألةِ على أقوال، أشهرها:

القول الأول: أنَّ التلفيقَ غيرُ جائزٍ.

بيّنَ محمد الدسوقيُّ المالكي أنَّ القولَ بالمنع مِن التلفيق هو طريقة


(١) هو: علي بن العباس بن جريج، أبو الحسن، مولى آل المنصور، المعروف بابن الرومي، ولد ببغداد سنة ٢٢١ هـ من مشاهير الشعراء، له النظم العجيب، والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة، فيستخرجها من مكامنها، ويبرزها في أحسن صورة، كان رأسًا في الهجاء والمديح، والغزل والأوصاف، توفي ببغداد سنة ٢٨٣ هـ وقيل: ٢٨٤ هـ. انظر ترجمته في: تاريخ مدينة السلام للخطيب (١٣/ ٤٧٢)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٣/ ٣٥٨)، وسير أعلام النبلاء (١٣/ ٤٩٥)، والبداية والنهاية (١٤/ ٦٦٦).
(٢) انظر: ديوان ابن الرومي (٣/ ٩٨٣ - ٩٨٤). وفى محاضرات الأدباء للراغب الأصبهاني (٢/ ٦١٩ - ٦٢٠):
فحلَّتْ لنا من بين قوليهما الخمرُ
وقد نسبت هذه الأبيات إلى أبي نواس. انظر: معيد النعم لتاج الدين السبكي (ص/ ١٠٣)، والتحقيق في بطلان التلفيق للسفاريني (ص/ ١٧٤).
يقول تاجُ الدين السبكي في: معيد النعم (ص/ ١٠٣) موضحًا وجه التلفيق في الأبيات: "ومعنى هذا: أن أبا حنيفة - وهو العراقيُّ - أباح النبيذَ إذا لم يسكرْ، وحرَّم المسكرَ مطلقًا - نبيذًا كان أو خمرًا - والخمرَ مطلقًا - مسكرًا كان، أو غير مسكر - وأن الشافعيَّ - وهو الحجازيُّ - قال: الشرابان واحد: النبيذ والخمر، فيحرم قليلُ كلٍّ منهما وكثيره.
فركّب هو مِنْ بين قوليهما قولًا ثالثًا، لكنَّه رافع للمجمع عليه: وهو وفاق الشافعي على أن الشرابين واحد، لكن لا في الحرمة، بل في الحلِّ، فهو مع أبي حنيفة في تحليل النبيذ غير المسكر، ومع الشافعي في أنَّ المسكرَ والخمرَ مثلُ النبيذ، ومخالف لهما في حرمة المثلَّث؛ فيقول: مثله، لكن في الحل، والشافعي - رضي الله عنه - يقول: مثله، لكن في الحرمة، فهذا أبو نواس لم يقصد إلا نوعًا من المجون".

<<  <  ج: ص:  >  >>