للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ ترجّح له ما ذَهَبَ إليه، فالقولُ في هذه الحالةِ كالقولِ في التلفيقِ في الاجتهادِ (١).

وإنْ قارنَ تلفيقَه تتبعٌ للرخصِ، فله حكمُ مسألةِ: (تتبع الرخص)، وقد تقدَّمَ الحديثُ عنها (٢).

أمَّا إنْ خلا عمَّا سبق، فإنْ وَقَعَ في التلفيقِ عن غيرِ قصدٍ، فلا حَرَجَ عليه، وإنْ قَصَدَه فالأحوطُ تركُه؛ خروجًا مِن الخلافِ.

وقد رجحتُ ما سَبَقَ، للآتي:

أولًا: القولُ بمنعِ التلفيقِ مطلقًا قولٌ لا يخلو مِنْ ضعفٍ، ولا سيما أنَّ أقوى ما يمكنُ أنْ يستدل به أصحابُ هذا القول هو دعوى الإجماعِ، ولم تسْلَمْ لهم هذه الدعوى.

ثانيًا: أن القولَ بمنعِ التلفيق مطلقًا - إضافةً إلى ضعفِه - أَوْقَعَ الناسَ في محظورٍ آخر، وهو تتبعُ الحيل، والبحث عنها؛ للتخلّصِ ممَّا وقعوا فيه، متورعين عن الوقوعِ في التلفيقِ (٣)، ولو أنَّ المفتين لم يتحرجوا مِن القولِ بالتلفيقِ إنْ ظَهَرَ لهم رجحانُ القولِ الآخر - الذي لم يقو الدليل على منعه - لما وَقَعَ الناسُ في الحيلِ.

ثالثًا: أنَّ في عدمِ نقلِ منعِ التلفيقِ عن المتقدمين دلالةً على ضعفِ القولِ بمنعِه مطلقًا.

رابعًا: يظهر لي أنَّ القولَ بمنع التلفيقِ الذي يستلزمُ نقضَ حكمِ الحاكمِ، أو الرجوع عمَّا عمل به المكلّفُ تقليدًا، أو عن لازمِه الإجماعي: خارجٌ عن صورةِ مسألةِ التلفيقِ أصلًا - وإنْ سلمتُ لهم الحكمَ الذي قالوه - إذ ما صَدَرَ عن المكلَّفِ في هذه الحالةِ هو رجوع عمَّا عمل، وليس تلفيقًا.


(١) انظر: فتاوى الإمام محمد رشيد رضا (٦/ ٢٥٧٣).
(٢) انظر: المصدر السابق.
(٣) انظر: عمدة التحقيق للباني (ص/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>