للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا صورةُ التلفيقِ في التقنينِ، فهي: أنْ يأخذَ المقننُ أحكامَ القانونِ مِنْ عدّةِ مذاهب على وجهٍ يترتبُ عليه التلفيقُ بين أقوالِ المجتهدين في مسألةٍ واحدةٍ، كما لو لفَّقَ المقننُ مسألةً مِنْ بابِ القذفِ مثلًا مِنْ أكثرِ مِنْ مذهبٍ، وكما لو أَخَذَ القولَ القائلَ المقننِ بصحةِ النكاحِ بلا ولي، وأنَّ مَنْ طلَّقَ زوجته ثلاثًا بلفظٍ واحدٍ، فلا يقعُ عليها إلا طلقة واحدة (١).

أمَّا عن حكمِ التلفيقِ في التقنينِ، فقد قرر الشيخُ محمد السنهوري جوازَه؛ لأن التلفيقَ وَقَعَ اتفاقًا في جزئيةٍ، ولم يُقْصَدْ إليه بخصوصِه، فكان تلفيقًا جائزًا لا حرجَ فيه حتى عند مَن يمنعون التلفيقَ القادحَ (٢).

وتبع الشيخَ السنهوريَّ فيما قرره الدكتور سيّدٌ الأفغانستاني (٣).

وقرّر مصطفى كمال التازي جوازَه إذا لم يرَ فيه العلماءُ ما يمسُّ روحَ الشريعةِ الإسلاميةِ ومقاصدها (٤).

ويظهرُ لي أنَّ كلَّ مَنْ دعا إلى تقنينِ الفقهِ مِنْ مختلفِ المذاهبِ الفقهيةِ (٥)، ولم ينصَّ على إشكاليةِ التلفيق، فإنَّه يَرَى جوازَ التلفيقِ في التقنين.

والذي يظهرُ لي في مسألةِ: (حكم التلفيق في التقنين) أنَّها لا تخرج عن مسألةِ: (التلفيق في الاجتهاد)، ومسألةِ: (التلفيق في التقليد)، ويكون النظرُ فيها إلى المقنّنِ، أهو مِن المجتهدين، أم مِن المقلدين؟


(١) انظر: التلفيق بين أحكام المذاهب للسنهوري، مجلة البحوث الإسلامية بالأزهر (١/ ٨٨).
(٢) انظر: المصدر السابق.
(٣) انظر: الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه (ص/ ٥٥٦).
(٤) انظر: الأخذ بالرخصة وحكمه، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: الثامن (١/ ٤٧٢).
(٥) انظر مثلًا: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (١/ ٣١٣)، ومناهج الاجتهاد للدكتور محمد مدكور (ص/ ٤٥١)، وأصول الفقه للدكتور زكي الدين شعبان (ص/ ٣٤٠)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ ٢٣٩)، والاجتهاد في الشريعة الإسلامية للدكتور يوسف القرضاوي (ص/ ١٦٠)، ومدخل لدراسة الشريعة الإسلامية له (ص/ ٣٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>