للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدٌ، فلا يجوزُ أنْ يُنْسَبَ إليه القولُ المتقدِّمُ والقولُ المتأخرُ معًا (١).

الدليل الخامس: (وهو دليل من قيَّد قوله بأنَّ الظاهر رجوع الإمام عن قوله): يُحْتَملُ أنْ يكونَ الراجحُ عند إمامِ المذهبِ هو القول المتقدم، ويكون إبداؤه للقولِ المتأخرِ على وجهِ الاحتمالِ في المسألةِ، وإنْ كان مرجوحًا عنده بالنسبةِ لقولِه المتقدِّمِ، ولذا قلنا: إنَّ القولَ المتأخرَ هو قوله في الظاهرِ؛ لهذا الاحتمالِ (٢).

أدلةُ أصحابِ القول الثاني: استدلَّ أصحابُ القول الثاني بأدلةٍ، منها:

الدليل الأول: أنَّ قولَ إمامِ المذهبِ المتقدِّم صَدَرَ عن اجتهادٍ، وقولَه المتأخر صَدَرَ عن اجتهادٍ أيضًا، والقاعدةُ المشهورةُ: أنَّ الاجتهادَ لا يُنْقَضُ بالاجتهادِ، فلا نُبْطِلُ الاجتهادَ الأولَ بالاجتهادِ الثاني (٣).

مناقشة الدليل الأول، نوقش الدليل من وجهين:

الوجه الأول: ما الذي تريدونه بقاعدةِ: الاجتهادُ لا يُنْقَضُ بالاجتهادِ؟

إنْ أردتم أنَّ إمامَ المذهب لا يتركُ ما أداه إليه اجتهادُه الأولُ باجتهادِه الثاني، فهو باطلٌ قطعًا، فإنَّا نعلمُ أنَّ المفتي مثلًا إذا أفتى في مسألةٍ بحكمٍ، ثمَّ تغيَّرَ اجتهادُه، لم يجزْ له الفتوى بقولِه الأولِ (٤).

وإنْ أردتم أنَّ حكمَ القاضي لا يُنْقَضُ إذا تغيَّرَ اجتهادُه - وهذا هو محلُّ القاعدةِ، فإذا حَكَمَ القاضي بحكمٍ بطريقِ الاجتهادِ، ثمَّ تغيَّرَ قولُه، وصارَ إلى قولٍ آخر عن طريقِ الاجتهادِ، فإنَّه لا يُنْقَضُ الحكمُ الأولُ الذي


(١) انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٤/ ٣٧١)، وروضة الناظر (٣/ ١٠١٣).
(٢) انظر: نهاية الوصول للهندي (٨/ ٣٦٣٤).
(٣) انظر: روضة الناظر (٣/ ١٠١٣)، وشرح مختصر الروضة (٣/ ٦٤٧)، وأصول الفقه لابن مفلح (٤/ ١٥٠٨)، والتحبير (٨/ ٣٩٦٢)، والإنصاف (١/ ١٠، ٢٩٩).
(٤) انظر: روضة الناظر (٣/ ١٠١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>