للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: لا يبعدُ القولُ عندي أنَّ عملَ كثيرٍ مِن الفقهاءِ ولا سيما علماء الحنابلة على حكايةِ القولين عن إمامِ المذهبِ، ولا يُغْفِلون شيئًا منها، ثم يبقى نظرُ محققيهم في الترجيحِ بينها.

• نوع الخلاف:

الخلافُ بين الأقوال خلافٌ معنوي، ويمكنُ القولُ: إنَّ القولَ الثالثَ يقتربُ مِن بعضِ أصحابِ القولِ الثاني ممَّنْ نصَّ على امتناعِ العملِ بأحدِ القولين إلى أنْ يَتبيّنَ المتقَدّم مِن المتأخرِ، بلْ أكادُ أقولُ: إنَّ الخلاف بينهما خلافٌ في العبارةِ فحسب؛ إذ كلا الفريقين ذاهبٌ إلى المنعِ مِن العملِ بقولِه إمامِ المذهبِ، وهذا الحكمُ يُقرِّبُ بينهما في المعنى (١).

ومِنْ جهةٍ أخرى: فإنَّ أصحابَ القولِ الثاني توقّفوا في تعيينِ القولِ الذي رَجَعَ عنه إمامُ المذهبِ، وأصحابُ القول الثالث توقفوا عن نسبةِ أحدِ القولين إلى إمامِ المذهبِ، ورجوعه عن الآخرِ، فالتقاربُ بين القولين كبيرٌ.

ولا يبعدُ عندي أنْ يكونَ المانعُ مِن العملِ بقولِ إمامِ المذهبِ في هذه الحالة قد وجَّه منعَه إلى رتبةِ المقلِّدين مِن المتمذهبين وغيرِهم، بخلافِ المتمذهبِ الذي بَلَغَ رتبةَ الاجتهادِ المقيَّد في المذهبِ، فلهم أنْ يعملوا باجتهادِهم في أقوالِ إمامِهم (٢)؛ لأنَّ المجتهدَ المذهبيَّ متأهلٌ للترجيحِ بين أقوالِ إمامِه، بخلافِ المقلِّدين.

وقد أشارَ بعضُ الأصوليين إلى أثرٍ من آثارِ الخلاف في المسألةِ، فيظهر في مسألةِ: هل يسوغُ العملُ بأحدِ قولي إمامِ المذهبِ في هذه الحالةِ؟ (٣).


(١) قارن بسلم الوصول لمحمد المطيعي (٤/ ٤٤١).
(٢) انظر: جامع مسائل الأحكام للبرزلي (١/ ١٠٥)، والمعيار المعرب للونشريسي (١١/ ٣٦٩)، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي (١/ ٢٨٦).
(٣) انظر: الإحكام في أصول الإحكام للآمدي (٤/ ٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>