للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عللّ ابنُ عابدين للأخذِ بالقولِ المرجوعِ عنه: بأنَّ الإمامَ قد أَمَرَ أصحابَه بأنْ يأخذوا مِنْ أقوالِه بما يتّجه الدليلُ عليه، فإذا أخذوا قولَه المرجوعَ بناءً على أصلِه وقواعدِه التي أسسها لهم، صار ما اختاروه قولًا لإمامِهم (١).

ولعل منشأ التعليلِ الذي ذكره ابنُ عابدين الحرصُ على نسبةِ كلِّ ما يصدرُ عنه، وعن غيرِه مِنْ أربابِ مذهبِه إلى مذهبِ إمامهم، بحيثُ لا يخرجُ المتمذهبُ عن مذهبِه البتة.

ثانيًا: إذا كان أَخْذُ المتمذهبِ للقولِ الذي رَجَعَ عنه إمامُه؛ بناءً على أنَّه مذهبُ إمامِه: فالذي يظهر لي في هذه الحالة هو عدمُ الجوازِ؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بقولِ الإمامِ المتأخرِ المرجوعِ إليه (٢) ح ولأنَّ القولَ المرجوعَ عنه بمنزلةِ المعدومِ (٣).

ولأنَّ الباعثَ على أَخْذِ المتمذهبِ للقولِ المرجوعِ عنه هو أنَّه مذهبُ إمامِه، فإذا انتفتْ نسبةُ القولِ المرجوعِ عنه عن الإمامِ، لم يصحَّ أخذُه؛ لأنَّه ليس بقولِ له، إلا إذا صحّحَ أئمةُ المذهبِ القولَ المرجوع عنه؛ لسببٍ ما، فللمتمذهبِ أَخْذُ القولِ في هذه الحالة؛ لاندراجِه تحت مسمّى المذهبِ، بتصحيحِ الأصحابِ له.

ولو أراد المتمذهبُ أخذَه مع العلمِ بأنَّه قولٌ مرجوعٌ عنه، فالحكمُ هنا يبنى على مسألةِ: (الخروج عن المذهب)، وقد تقدَّمَ الحديثُ عنها.

يقولُ ابنُ الصلاحِ: "كلُّ مسألةٍ فيها قولان: قديم وجديد، فالجديدُ


= والشافعي - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ ٣١٨)، والتقليد والإفتاء لعبد العزيز الراجحي (ص/ ١١٧)، والاختلاف الفقهي لعبد العزيز الخليفي (ص/ ٢٥٤ - ٢٥٥).
(١) انظر: شرح عقود رسم المفتي (ص/ ٨١).
(٢) انظر: فرائد الفوائد للمناوي (ص/ ١٢٨)، وشرح عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص/ ١١٥).
(٣) انظر: أصول الإفتاء للعثماني (ص / ٣٢٩) مع المصباح في رسم المفتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>