للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكنُ القول "إنَّه لا ريبَ في عدمِ نسبةِ ما قاله التابعُ لمذهبِه إلى إمامِه (١).

والأصلُ في هذا المقامِ هو قولُ إمامِ المذهبِ، ومع هذا فالقولُ المخالفُ له منسوبٌ إلى المذهب؛ لأنَّه قولٌ مِنْ أحدِ أتباعِه سائر على أصولِه، ولبعضِ المذاهبِ اصطَلاحُها الخاص في تسميةِ اجتهادات الأصحابِ.

ولا شكَّ في تقديم قولِ إمامِ المذهب في هذه الحالةِ (٢) - إلا إنْ كان مردُّ الاختلافِ إلى تغيّرِ العرفِ أو اختلافَ المصلحةِ مثلًا، فيؤخذُ بالقولِ الذي اعتبرَ العرفَ الحالي والمصلحةَ القائمة (٣) - ويسوغُ الأخذُ بقولُ الصاحب الذي خالفَ إمامَ مذهبِه؛ لمقتضٍ (٤).

يقولُ صدرُ الدين السلمي: "إذا وَجَدْنا الإمامَ الشافعيُّ - رضي الله عنه - نصَّ على شيءٍ مِن المسائلِ، وحَكَمَ فيها بحكمٍ، ووجدنا واحدًا مِن الأصحابِ، أو كثيرًا منهم أو أكثرهم ممَّنْ يُرْجَعُ إليه في التصحيحِ، ذَكَرَ المسألةَ، وصححَّ فيها خلافَ ما جزمَ به الشافعيُّ - رضي الله عنه -، ولم نجدْ هذا المصحِّح تعرضَ لنصِّ الشافعي، ولا ذَكَرَه، ولا ألمَّ به، ولا أجاب عنه: فالمعتمدُ في الفتوى والعملِ على ما نصَّ عليه" (٥).

ويظهرُ أن أربابَ المذاهبِ يَقْبَلون اجتهاداتِ أصحابِهم المخالفةَ لإمامِهم، ولابنِ القيّمِ كلامٌ يشير إلى هذا المعنى، يقول مخاطبًا فئةً مِن


(١) انظر: شرح عقود رسم المفتي (ص/ ٨٤).
(٢) انظر: كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ ٦٨)، والمعيار المعرب للونشريسي (١٢/ ٢٣)، والفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي (٢/ ٧٢)، ومنار أصول الفتوى للقاني (ص/ ٢٧٤)، وشرح عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص/ ٨٦)، وفتح العلي المالك لعليش (١/ ٧٢)، والمصباح في رسم المفتي لمحمد الراشدي (ص/ ٢٦٣).
(٣) انظر: الفتاوى البزازية (١/ ٣).
(٤) انظر: نشر البنود (٢/ ٣٣٣)، ومراقي السعود إلى مراقي السعود (ص/ ٤٤٧)، ونثر الورود للشنقيطي (٢/ ٦٦١).
(٥) فرائد الفوائد (ص/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>