للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الرابع: تحسنُ الإشارةُ إلى اختلافِ درجاتِ المتمذهبين مِنْ جهةِ معرفتِهم بالأدلةِ، ويمكنُ جعلهم ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: اعتقدتْ صحةَ مذهب إمامِها بغيرِ دليلٍ، فحفظتْ أقوالَه وأقوالَ أصحابِه في مسائل الفقهِ، دونَ أنْ تتفقه في معانيها، فتميّز الصحيحَ مِن السقيمِ (١).

الطائفة الثانية: اعتقدتْ صحةَ مذهبِ إمامِها بما بأنَّ لها مِنْ صحةِ أصولِه، فحفظتْ أقوالَه وأقوالَ أصحابِه في مسائلِ الفقه، وتفقهت في معانيه، فعَلِمَت الصحيحَ الجاري على أصولِه مِن السقيمِ الخارجِ عنها (٢).

الطائفة الثالثة: اعتقدتْ صحةَ مذهبِ إمامِها بما بانَ لها مِنْ صحةِ أصولِه، فحفظتْ أقوالَ إمامِها وأقوالَ أصحابِه في مسائل الفقهِ، وتفقهت في معانيه، فعلمت الصحيحَ الجاري على أصولِه مِن السقيمِ الخارجِ عنها، وبلغت درجةَ التحقيقِ باجتماعِ شروطِ الاجتهادِ فيها (٣).

ولا يدخلُ أربابُ الطائفةِ الثالثةِ في حديثي هنا؛ لتملكهم آلة الفتيا (٤)، وكلامي مقصورٌ على الطائفتين: الأولى، والثانيةِ.

يقولُ أبو إسحاقَ الشاطبي: "وقد قَبِلَ الناسُ أنظارَهم - أيْ: أصحاب الأئمة المجتهدين المنتسبين - وفتاويهم، وعَمِلُوا على مقتضاها، خالفتْ مذهبَ إمامِهم أو وافقته، وإنَّما كان كذلك؛ لأنَّهم فهموا مقاصدَ الشرع في وضعِ الأحكامِ، ولولا ذلك لم يَحِل لهم الإقدامُ على الاجتهادِ والفتوى، ولا حَلَّ لِمَنْ في زمانِهم - أو مَنْ بعدهم مِنْ العلماءِ - أنْ يُقِرَّهم على ذلك، ولا يسكت عن الإنكارِ عليهم على الخصوصِ" (٥).


(١) انظر: فتاوى ابن رشد (٣/ ١٥٠٠ - ١٥٠١)، وفتاوى البرزلي (١/ ٧١)، والمعيار المعرب للونشريسي (١٠/ ٣٢)، ومحاضرات في تاريخ المذهب المالكي للدكتور عمر الجيدي (ص/ ٩٨)، والمدرسة المالكية الأندلسية لمصطفى الهروس (ص/ ٢٣٦ - ٢٣٧).
(٢) انظر: المصار السابقة.
(٣) انظر: المصادر السابقة.
(٤) انظر: فتاوى ابن رشد (٣/ ١٥٠٢).
(٥) الموافقات (٥/ ١٢٦ - ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>