للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شكَّ في أن المناظراتِ مظنةٌ لبيانِ الأدلةِ، والاعتراضِ على الضعيفِ منها، وهذا الأمرُ يجعلُ المتمذهبَ حريصًا على معرفةِ أدلةِ مذهبِه واستقصائِها، وردِّ الاعتراضاتِ الموجّهةِ إِليها، ومعرفةِ أدلةِ مخالفِه، والاعتراضات الموجهة إِليها.

وقد كانت المناظراتُ قائمةً بين الأئمةِ المجتهدين قَبْلَ استقرارِ المذاهب الفقهيةِ (١)، وبَعْدَ استقرارِها سارَ أتباعُ الأئمةِ على مناظرةِ مخالفِيهمَ، فأسهموا في شيوعِ المناظرات وكثرتِها (٢).

يقولُ ابنُ خَلدون: "وقاسموا - أيْ: علماء الشافعية - الحنفيةَ في الفتوى والتدريس في جميعِ الأمصارِ، وعَظُمَتْ مجالسُ المناظراتِ بينهم، وشُحِنَتْ كتبُ الخلافيات بأنواعِ استدلالاتِهم" (٣).

ويقولُ - أيضًا -: "جَرَتْ بينهم - أيْ: بين أتباعِ المذاهبِ الأربعةِ - المناظراتُ في تصحيحِ كلٍّ منهم مذهبَ إِمامِه، تجري على أصولٍ صحيحةٍ، وطرائقَ قويمةٍ، يحتجُّ بها كلٌّ على مذهبِه الَّذي قلَّده وتمسَّكَ به" (٤).


(١) انظر: ترتيب المدارك للقاضي عياض (٢/ ١١٣ - ١٢٩)، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (٢/ ٩٥٣ وما بعدها، ١١٣٧)، والقواعد الكبرى للعز بن عبد السلام (٢/ ٢٧٥)، وتنبيه الرجل العاقل لابن تيمية (١/ ٤)، وسير أعلام النُّبَلاء (١٠/ ١٦ - ١٧)، و (١١/ ١٩٧)، وعلم الجَذَل في علم الجدل للطوفي (ص ٢٠٩/ - ٢٤٠)، والتحبير (٧/ ٣٦٩٨ - ٣٦٩٩)، وتاريخ التشريع الإِسلامي لمحمد الخضري (ص/ ٣٣٣)، وتاريخ الفقه الإِسلامي لمحمد السايس (ص/ ١٣٢)، والمدخل للتشريع الإِسلامي للدكتور محمد النبهان (ص/ ٣٨٤)، والجديد في تاريخ الفقه للدكتورمحمد مصطفى (ص/ ٢٣٥ وما بعدها)، والجدل عند الأصوليين للدكتور مسعود فلوسي (ص/ ٥٨ - ٧٩)، والمدخل في التعريف بالفقه للدكتور عبد المجيد مطلوب (ص/ ١٠٥)، ومدخل لدراسة الفقه لمحمد محجوبي (ص/ ٢٤٥).
(٢) انظر: الفكر السامي لمحمد الحجوي (٣/ ١٤٤، ١٤٧)، والمدخل في الفقه الإِسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ ١٣٢)، وفقه إِمام الحرمين للدكتور عبد العظيم الديب (ص/ ٥٢١).
(٣) مقدمة ابن خلدون (٣/ ١٠٥٣).
(٤) المصدر السابق (٣/ ١٠٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>