للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علماءِ الحنفية: لمَّا حَضَرَ ابنُ رشدٍ درسَ العالمِ الحنفي، قال المدرسُ الحنفيُّ: الدليل لنا على مالكٍ في المسحِ على العمامةِ: أنَّه مَسْحٌ على حائلٍ أصلُه الشّعر، فإنَّه حائل. فأجابه ابنُ رشدٍ: بأنَّ الحقيقةَ إذا تعذرتْ، انتُقِلَ إلى المجازِ إنْ لم يتعددْ، وإلى الأقرب منه إنْ تعددَ، والشَّعرُ هنا أقربُ، والعمامةُ أَبْعَد، فيتعين الحملُ على الشَعرِ.

فلم يجد الحنفيُّ جوابًا (١).

المثال الرابع: أوردَ تاجُ الدين السبكي مناظرةً جرت بين القاضي أبي الطيب (٢)، وأحدِ علماءِ الحنفيةِ (٣) عن مسألةِ: تقديم الكفارةِ على الحنثِ؟ يقولُ تاجُ الدين: "فأجابَ - أي: العالم الحنفى - بأنَّ ذلك لا يُجزئُ، وهو مذهبُهم. فسُئِلَ الدليل؟ فاستدلَّ بأنَّه أدَّى الكفارةَ قبل وجوبِها، وقبلَ وجودِ سببِ وجوبِها، فَوَجَبَ ألا تجزِئَه، كما لو أخرجَ كفارةَ الجماعِ بعدَ الصومِ، وقبلَ الجماعِ، وأخرجَ كفارةَ الطّيب واللباسِ بعدَ الإحرامِ، وقبلَ ارتكابِ أسبابِها.

فكلّمه القاضي أبو الطيبِ، ناصرًا جوازَ ذلك - كما هو مذهبُ الشافعي - وأوردَ عليه فصلين: أحدهما: مانعةُ الوصفِ، فقالَ: لا أُسلّم أنَّه لم يُوْجَد سببُ وجوبِ الكفارة؛ فإنَّ اليمينَ عندي سببٌ؛ فاليمينيةُ مُثْبَتَةٌ في الحالين على هذا الأصلِ.


(١) انظر: نشر البنود (١/ ١٣١). ويقول عبد الله العلوي في: المصدر السابق موضحًا المناظرة: "فالحقيقة هي جلد الرأس، وقول الحنفي: "أصله الشَّعر"، يريد أنَّه مقيس عليه؛ بجامع كون كل منهما حائلًا بين المسح والجلد".
ويقول الشيخ محمد الشنقيطي في: نثر الورود (١/ ١٣٣): "قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [من الآية (٦) من سورة المائدة] قالوا - أي: المالكية -: حقيقة المأمور بمسحه جلد الرأس، ولهذه الحقيقة مجازان: أحدهما: أبعد، وهو العمامة. والثاني: أقرب للحقيقة، وهو شعر الرأس. فيجب الأقرب، فيمسح على الشعر، لا على العمامة".
(٢) هو: القاضي أبو الطيب الطبري.
(٣) هو: القاضي أبو الحسن الطالقاني، قاضي بلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>