للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الحافظ ابنُ رجبٍ: "ليكن الإنسانُ على حَذَرٍ ممَّا وَقَعَ بعدهم - أي: أئمة السلف - ... وحَدَثَ مَن انتسبَ إلى متابعةٍ السنةِ والحديثِ مِن الظاهريةِ، ونحوِهم، وهو أشدُّ مخالفةً لها؛ لشذوذِه عن الأئمةِ، وانفرادِه عنهم بفهمٍ يفهمه، أو يأخذ ما لم يأخذْ به الأئمةُ مِنْ قبله" (١).

ويقولُ الشيخُ محمدٌ العثيمين: "نَجِدُ أولئك القوم الذين لم يتفقهوا على أيدي العلماءِ، نجد أنَّ عندهم مِن الزَّلاتِ شيئًا كثيرًا؛ لأنَّهم صاروا ينظرون بنظرٍ أقل ممَّا ينبغي أنْ ينظروا فيه، يأخذون مثلًا: (صحيحَ البخاري)، فيذهبون إلى ما فيه مِن الأحاديثِ، مع أنَّ في الأحاديثِ ما هو عامٌّ ومخصصٌ، ومطلقٌ ومقيّدٌ، وشيءٌ منسوخ، لكنَّهم لا يهتدون إلى ذلك، فيحصلُ بهذا ضلالٌ كبيرٌ" (٢).

ويقولُ - أيضًا -: "لا شكَّ أنَّ الإنسانَ ينبغي له أنْ يُرَكّزَ على مذهبٍ معيّنٍ يحفظه، ويحفظ أصولَه وقواعدَه، لكن لا يعني ذلك أنْ نلتزمَ التزامًا بما قاله الإمامُ ... أرى أنَّ الذين أخذوا بالحديثِ، دونَ أنْ يرجعوا إلى ما كتبه العلماءُ في الأحكامِ الشرعيةِ، عندهم شطحاتٌ كبيرةٌ! وإنْ كانوا أقوياءَ في الحديثِ وفي فهمِه؛ لأنَّهم بعيدون عمَّا يتكلمُ به الفقهاءُ، فتَجِدُ عندهم مِن المسائلِ الغريبةِ ما تكادُ تجزمُ بأنَّها مخالفةٌ للإجماعِ، أو يغلبُ على ظنِّك أنَّها مخالفةٌ للإجماعِ" (٣).

وسأذكرُ بعضَ الأمثلةِ للأقوالِ الشاذةِ التي يكادُ ينعقدُ الإجماعُ على خلافِها:

المثال الأول: القولُ بعدمِ اشتراطِ الطهارةِ في صلاةِ الجنازةِ.

ذَهَبَ الشعبيُّ إلى عدمِ اشتراطِ الطهارةِ في صلاةِ الجنازةِ (٤).

وهذا القولُ قولٌ شاذٌّ. يقول ابنُ عبد البر عن اشتراطِ الطهارةِ لصلاةِ


(١) بيان فضل علم السلف (ص/١٦٩).
(٢) كتاب العلم (ص/ ٤٩ - ٥٠).
(٣) المصدر السابق (ص/ ١١٤).
(٤) انظر: بداية المجتهد لابن رشد (١/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>