للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِنْ جهةٍ أخرى: فإنَّ عنايةَ أربابِ المذاهبِ ببيانِ المسائلِ الفروعيةِ، وبيانِ أحكامها على اختلافِ الأحوالَ والهيئاتِ، عناية منقطعة النظيرِ، يصعبُ وجودُها في غيرِ الكتبِ المذهبيةِ (١)، ففي دراسةِ الفقهِ وأصولِه على غيرِ الكتبِ المذهبية صعوبةٌ بالغةٌ (٢).

وغيرُ خافٍ على ذي لبٍّ أنَّ دراسةَ الفقهِ منظّمًا مرتّبًا أيسرُ مِنْ دراستِه دون ترتيبٍ وتنظيمٍ.

يقولُ القاضي عياضٌ: "وكذلك يَلْزَمُ هذا - أي: التمذهب بمذهب إمامٍ - طالب العلمِ في بدايةِ درسِ ما أصّله الأعلمُ مِنْ هؤلاءِ - أي: المجتهدين - وفرّعه، وحفظِه ما ألّفه وجَمَعَه، والاهتداء بنَظَرِه في ذلك، والميل حيثُ مالَ معه" (٣).

ثمَّ بيَّن مَغَبَّةَ الرغبةِ في التوسّعِ في الأقوالِ وأدلتِها في بدءِ طلبِ العلمِ، فقالَ: "إذ لو ابتدأَ الطالبُ في كلِّ مسألةٍ الوقوفَ على الحقِّ منها بطريقِ الاجتهادِ، عَسُرَ عليه ذلك؛ إذ لا يتفقُ جمعُ خصالِه وتناهي كمالِه، وإذا كان بهذه السبيلِ استغنى عن تقليدِ أربابِ المذاهبِ، وكان مِنْ المجتهدين" (٤).

ويقولُ شهابُ الدَّين القرافي: "أنتَ تعلمُ أنَّ الفقهَ وإنْ جَلَّ، إذا كان مفترقًا تبددتْ حكمتُه، وقلَّتْ طلاوتُه، وبَعُدَتْ عند النفوسِ طِلْبَتُه.

وإذا رُتِّبَت الأحكامُ - مخرّجةً على قواعدِ الشرع، مبنيّةً على مآخذِها - نَهَضَت الهممُ حينئذٍ لاقتباسِها، وأُعْجِبَتْ غايةَ الإعجابِ بتقمّصِ لباسِها" (٥).

ويقولُ ابنُ فوحون: "فحقٌّ على طالبِ العلمِ، ومريدِ تعرُّفِ الصوابِ


(١) انظر: بلوغ السول لمحمد مخلوف (ص/ ١٢٩).
(٢) انظر: الإنصاف في بيان سبب الخلاف للدهلوي (ص/ ٢٩).
(٣) ترتيب المدارك (١/ ٦٣).
(٤) المصدر السابق.
(٥) الذخيرة (١/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>