للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ركعتين طويلتين، وصلاةُ أربعِ ركعات في زمنٍ واحدٍ، فأيّهما أفضل؟ وأيّهما أفضل: قراءة القرآن بتدبّر وتفكّر، أم قراءة قدرِ أكبر في زمنٍ واحدٍ؟

مناطُ هاتين المسألتين واحدٌ، وهو: إذا تقابلَ عملانِ أحدُهما ذو شرفٍ ورفعةٍ في نفسِه، وهو واحدٌ، والآخرُ ذو تعددِ في نفسِه وكثرةٍ، فأيّهما أفضل؟ وأيّهما المرجح؟ (١).

فإذا عَرَفَ المتمذهبُ قاعدةَ مذهبِه سَلِمَ مِن الوقوع في التناقضِ في أقوالِه.

وأيضًا: يَتَجَنّبُ المتمذهبُ الحكمَ بحكمِ واحدٍ على فرعين فقهيين متشابهين في الصورة، دون المأخذِ.

ولا يوحي ما بيّنتُه آنفًا أنَّ أقوالَ المذهب - أو اختياراتِ بعضِ المتمذهبين - خاليةٌ مِن التناقضِ، بلْ الأمرُ واردٌ، لَكنْ عنايةُ أتباعِ المذهبِ بالتنبيهِ على أمثالِ هذه المسائلِ، وبيانِ التناقض وكشفِه قائمةٌ (٢).


(١) انظر القاعدة وأمثلتها في: تقرير القواعد لابن رجب (١/ ١٣٠ - ١٤١).
(٢) من الأمثلة على عناية أرباب المذهب بدفع ما يوهم التناقض في مذهبهم: ما قال القرافي في: الأمنية في إدراك النية (ص/ ٣٢ - ٣٣): "وقع في المذهب إطلاقات متناقضة: قال الأصحاب: صريح الطلاق وغيره غيرُ محتاجٍ للنية اتفاقًا. وقال صاحب المقدمات في كنايات الطلاق: صريح الطلاق مفتقرٌ إلى النية اتفاقًا. وقال اللخمي في الإكراه على الطلاق: في افتقار الصريح إلى النية قولان: أصحهما: أنَّه لابُدَّ في الصريح من النية ... هذه إطلاقات متناقضة، لا يجتمع منها اثنان، بل متى صدق أحد هذه الثلاثة كذب اثنان منها، وتحقيقهما: ... حيث قالوا: الصريح لا يفتقر إلى النية اتفاقًا، معناه: أنَّ الصريح لا يفتقر في إرادة مدلوله إلى نية ... بل ينصرف بصراحته لمدلوله ... ومعنى قولهم: إنَّ الصريحَ يفتقر إلى النية اتفاقًا، أي: لا بُدَّ في الصريح مِن القصدِ إلى إنشاءِ الصيغة؛ حَذرًا ممن يقول: يا طارق، فقال: يا طالق ... فلا تناقض بين اشتراط النية في إرادة النطق، وبين عدم اشتراطها في انصراف اللفظ لمدلوله بعد النطق ... ". (وقع في المطبوع تصحيف، وقد صححته من الطبعة التي اعتنى بها الدكتور محمد المنيع (ص/ ٤٢). وانظر: الفروق للقرافي (٢/ ٢٩٦ - ٢٩٨).
وقد اعتنى جمال الدين الإسنوي ببيان ما وقع فيه الرافعي والنووي من التناقض في بعض الأحكام - وهي قليلة - فألف كتابًا بعنوان: (جواهر البحرين في تناقض الحبرين)، وقد طبع مختصره.

<<  <  ج: ص:  >  >>