للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشارَ تقيُّ الدين السبكي إلى المعنى آنف الذكرِ، فقالَ: "وكم مِنْ واحدٍ متمسكٍ بالقواعد، قليلِ الممارسةِ للفروعِ ومآخذِها، يَزِّلُ في أدنى المسائلِ، وكم مِنْ آخر مستكثرٍ في الفروعِ ومداركِها، قد أفرغ جمامَ ذهنِه فيها، غَفَلَ عن قاعدةٍ كليةٍ، فتخبّطتْ عليه تلك المداركُ، وصارَ حيران ... " (١).

وفي المعنى ذاتِه يشيرُ شهابُ الدين القرافيّ إلى أهميةِ الاستعانةِ بالقواعدِ الكليةِ؛ ليتجنبَ الناظرُ الوقوعَ في التناقضِ، فيقول عنها: "هذه القواعدُ مهمّةٌ في الفقهِ، عظيمةُ النفعِ، بها يَعْلُو قدرُ الفقيه ... ومَنْ جَعَلَ يخرّجُ الفروعَ بالمناسباتِ الجزئيةِ دونَ القواعدِ الكليةِ، تناقضتْ عليه الفروعُ واختلفتْ، وتزلزلتْ خواطرُه واضطربتْ، وضاقتْ نفسُه لذلك وقَنِطَتْ، واحتاجَ إلى حفظِ الجزئياتِ التي لا تنتهي ... ومَنْ ضَبَطَ الفقهَ بقواعدِه استغنى عن حِفظِ أكثرِ الجزئيات؛ لاندراجِها في الكليات، واتَّحدَ عنده ما تناقضَ عند غيرِه، وتَنَاسَب" (٢).

وإذا صحَّ تَوَجُّه كلام القرافي إلى المتمذهبِ الذي يُعْنَى ببيانِ أحكامِ الجزئياتِ، دون التفاتٍ منه إلى قواعد الفقهِ وضوابطِه، فَتَوَجُّهُه إلى غيرِه ممَّنْ لم يبلغْ درجةَ الاجتهاد من بابٍ أولى.

ويقولُ الحافظ ابنُ رجبٍ عن القواعد والضوابطِ المذهبيةِ في فاتحةِ كتابِه: (تقرير القواعد وتحرير الفوائد) (٣): "تضبطُ للفقيهِ أصولَ المذهبِ، وتُطْلِعُه مِنْ مآخذِ الفقهِ على ما كان قد تَغَيّب، وتُنَظّم له منثورَ المسائلِ في سلكٍ واحدٍ، وتقييد له الشواردَ، وتقرّب له كلَّ متباعدٍ".

وأيضًا: يَتَجَنّبُ المتمذهبُ الوقوعَ في التناقضِ في تطبيقِ القواعدِ الأصوليةِ، فيسيرُ على أصولِ الاستنباطِ سيرًا مطردًا غيرَ متناقضٍ.


(١) نقل تاجُ الدين السبكي كلامَ والده تقي الدين في: الأشباه والنظائر (١/ ٣٠٩). وانظر: القواعد الفقهية للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ ١١٦ - ١١٧).
(٢) الفروق (١/ ٦٢ - ٦٣).
(٣) (١/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>