للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكنْ حالُ المتمذهبين في الاهتمامِ بالأدلةِ الشرعيةِ - والنقلية منها على وجهِ الخصوص - واحدًا، فمنهم؛ المهتمُّ بذكرِ الأدلةِ، ومنهم: التاركُ لها، المعرضُ عنها (١).

ويتفاوتُ أربابُ المذاهبِ الفقهيةِ المختلفةِ في درجةِ الإعراضِ عن الاستدلالِ بدليلي: الكتاب والسنة، بلْ إنَّ التفاوتَ حاصلٌ بين أربابِ المذهبِ الواحدِ، فالحديثُ في هذا المطلب لا يشملُ قطعًا جميعَ المتمذهبين، بلْ طائفةً منهم، ممَّنْ لهم قدرةٌ على النظرِ في نصوصِ الكتاب والسنةِ، ثمُّ أَعْرَضَوا عنهما.

وقد يكونُ الأثرُ السلبيُّ موجودًا في مذهبٍ ما، ولكنْ في مرحلةٍ مِنْ مراحلِ بنائِه (٢)، ولا سيما مع بدءِ الاهتمامِ بالاختصارِ والإيجازِ في المؤلفاتِ المذهبيةِ (٣).

ويحكي ابنُ عبد البر المالكي حالَ بعضِ مالكيةِ المغرب، فيقول: "إنَّهم لا يقيمون علةً، ولا يعرفون للقولِ وَجْهًا، وحَسْبُ أحدِهمَ أنْ يقولَ: فيها روايةٌ لفلانٍ، ورواية لفلانٍ، ومَنْ خالفَ عندهم الروايةَ التي لا يقفُ على معناها، وأصلِها وصحةِ وجهِها، فكأنَّه خالفَ نصَّ الكتاب وثابتَ السنةِ" (٤).

ولشمسِ الدين بنِ القيّمِ نصيبٌ من رؤيةِ هذا الداءِ، يقولُ مبينًا حالَ بعضِ الناسِ: "لما أعرضَ الناسُ عن تحكيم الكتابِ والسنةِ والمحاكمةِ إليهما، واعتقدوا عدمَ الاكتفاءِ بهما، وعدلوا إلى الآراءِ والقياسِ


(١) انظر: بلوغ السول لمحمد مخلوف (ص/ ٩٩)، وابن باديس - حياته وآثاره للدكتور عمار الطالبي (٣/ ٢٢٠).
(٢) انظر: بلوغ السول لمحمد مخلوف (ص/ ٩٩)، والمتأخرون بين التجريد والتدليل للدكتور الصادف الغرياني، بحوث الملتقى الأول: القاضي عبد الوهاب المالكي (٦/ ٥٢٨).
(٣) انظر: الفكر السامي لمحمد الحجوي (٣/ ١٤٦ - ١٤٧).
(٤) جامع بيان العلم وفضله (٢/ ١١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>