للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقولُ في موضعٍ آخر مبينًا حالَ متمذهبي عصرِه وقُطْرِه ممَّن لَقِيَهم: "فكيفَ بهم - أي: الصحابة - رضي الله عنهم - لو شاهدوا ما نشاهدُ مِن المصائبِ الهادمةِ للإسلامِ على مَن امتحنه الله به، مِن الانتماءِ إلى مذهب فلانٍ وفلانٍ، والإقبالِ على أقوالِ مالكٍ وأبي حنيفةَ والشافعي، وتركِ أحكامِ القرآنِ وكلامِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ظِهْريًّا" (١).

ويشهدُ لما بيّنه ابنُ حزمٍ: ما حكاه أبو شامةَ المقدسي عن بعضِ أرباب المذاهبِ الذين قصُرتْ هممُهم، فلم ينظروا في الأصلين: الكتابِ والسنةِ، بلْ أعرضوا عنهما، وجعلوا أقوالَ أئمتِهم كالأدلةِ عندهم (٢).

وقد بَلَغَ الحالُ عند بعضِ المتمذهبين في مناظراتِهم أنْ تنقضي المناظرةُ تلو المناظرةِ، ولا تُسمعُ فيها آيةٌ ولا حديثٌ (٣).

وفي الموضوعِ ذاتِه، يقولُ تقيُّ الدين بنُ تيمية عن طريقةِ بعضِ المصنفين في الفقهِ والرأي: "لم يَذْكرْ إلا رأيَ متبوعِه وأصحابِه، وأعرضَ عن الكتاب والسنةِ ... ككثيرٍ مِنْ أتباعِ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعي وأحمدَ وغيرِهم" (٤).

ويشتكي بدرُ الدّينِ الزركشيُّ مِنْ حالِ بعضِ الفقهاءِ في إعراضِهم عن النصوصِ الشرعيةِ، فيقول: "مِن البليةِ اقتصارُ كثيرٍ مِن الفقهاءِ على الاستدلالِ على القياسِ، وعدمِ بحثِهم عن النصِّ فيها، وهو موجودٌ لو تطلَّبوه" (٥).

ويقولُ الشيخُ محمدٌ الأمين الشنقيطي عن بعضِ أتباعِ الأئمةِ: "تَرَكُوا


(١) المصدر السابق (٦/ ١٧٥)، وانظر منه: (٦/ ٩٨).
(٢) انظر: خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول (ص/ ٩٩ - ١٠٠).
(٣) انظر: التحقيق في أحاديث التعليق لابن الجوزي (١/ ٣)، وخطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول لأبي شامة (ص/ ١٠٠).
(٤) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (١٠/ ٣٦٧). وانظر: إعلام الموقعين (٦/ ٦٤ - ٦٦)، وتاريخ التشريع الإسلامي لعلي معوض وزميله (٢/ ٢٧٠).
(٥) البحر المحيط (٥/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>