للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقولُ في موضعٍ آخر حاكيًا حالَ متعصبي المذاهب: "فإذا خالفَ قولُ متبوعِهم نصًّا عن الله ورسولِه، فالواجبُ التمحّلُ والتكلّفُ في إخراجِ ذلك النصِّ عن دلالتِه، والتحيّلُ لدفعِه بكلِّ طريقٍ؛ حتى يصحَّ قولُ متبوعِهم" (١).

وجعلَ المتعصبون - كما نبّه إليه ابنُ القيّمِ - مذهبَهم وقولَ إمامهم عيارًا على الكتاب والسنةِ، فهو المحكمُ، ونصوصُ الكتابِ والسنةِ مِن المتشابهِ، فما وافقَ قولَ إمامِهم منهما احتجوا به وقرروه، وما خالفه تأولوه أو فوضوه (٢)، فأمسى ضابطُ تأويلِ النصوصِ عندهم هو مخالفةُ المذهبِ (٣).

وقد صدَّر ابنُ دقيق العيد كتابَه: (شرح الإلمام بأحاديث الأحكام) (٤) ببيانِ المنهجِ القويمِ مع النصوصِ الشرعيةِ، فقالَ: "يُجعل الرأيُ هو المؤتمّ، والنصُّ هو الإمام، وتُرَدُّ المذاهبُ إليه، وتُضمُّ الآراءُ المنتشرةُ حتى تقف بين يديه.

وأمَّا أنْ يُجعلَ الفرعُ أصلًا، بردِّ النصِّ إليه بالتكلّفِ والتحيّلِ، ويُحْمَل على أَبْعَدِ المحاملِ، بلطافةِ الوهم، وسعةِ التخيّلِ، ويرْكَب في تقريرِ الآراءِ الصعب والذَّلول، ويعملُ مِن التأويلاتِ ما تَنْفُر عنه النفوسُ، وتستنكره العقولُ: فذلك عندنا مِنْ أردأِ مذهبٍ، وأسوأِ طريقةٍ ... ومتى يُنْصِفُ حاكمٌ مَلَكَتْه العصبيةُ؟ ! ".

وإذا كان صدورُ التعصبِ بردِّ الكتاب والسنةِ مِن المتمذهبين الذين لم يتمكنوا مِن العلمِ، غيرَ مقبولٍ ولا سَائغٍ، فكيفَ إذا صَدَرَ مِن بعضِ المتمكنين في علومِ الشريعةِ؟ !


(١) المصدر السابق (٣/ ٤٩٠)، وانظر منه: (٣/ ٥٢٢).
(٢) انظر: الفروسية المحمدية (ص/ ٢٨٤ - ٢٨٥)، والصواعق المرسلة (١/ ٢٣٠ - ٢٣١).
وراجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٤/ ١٥٤)، والاتباع لابن أبي العز (ص/ ٣٠)، وبدعة التعصب المذهبي لمحمد عباسي (ص/ ١٢٧).
(٣) انظر: الصواعق المرسلة (١/ ٢٣٢ - ٢٣٣)، ومدارج السالكين (٣/ ١٨٢).
(٤) (١/ ٦). وانظر: أضواء البيان للشنقيطي (٧/ ٥٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>