للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولُ أبو عبد الله المقّري: "تَرَى الرجلَ يبذلُ جهدَه في استقصاءِ المسائلِ، ويستفرغُ وسعَه في تقديرِ الطُرقِ، وتحريرِ الدلائلِ، ثم لا يختارُ إلا مذهبَ مَن انتصرَ له وحدَه؛ لمحضِ التعصّب له، مع ظهورِ الحجةِ الدامغةِ، ثم يَنْكّفُ عن محجّتِها إلى الطرقِ الرائغةِ" (١)

ومِن الحيلِ في ردِّ النصوصِ الشرعيةِ التي يصنعها بعضُ المتمذهبين إذا خالفَ مذهبُهم الدليلَ: ادِّعاءُ نسخِ النصِّ بغيرِ دليلٍ يدل عليه؛ يقولُ تقيُّ الدين بنُ تيمية: "نَجِدُ كثيرًا مِن الناسِ، ممَّنْ يخالفُ الحديثَ الصحيحَ - مِنْ أصحابِ أبي حنيفةَ أو غيرِهم - يقول: هذا منسوخٌ.

وقد اتخذوا هذا محنةً (٢)؛ كلُّ حديثٍ لا يوافقُ مذهبَهم يقولون: هو منسوخٌ، مِنْ غيرِ أنْ يعلموا أنَّه منسوخٌ، ولا يُثْبِتُوا ما الذي نَسَخَه؟ " (٣).

ويقولُ شمسُ الدِّين بنُ القيمِ: "وكثيرٌ من المقلدةِ المتعصبين إذا رأوا حديثًا يخالفُ مذهبَهم يتلقونه بالتأويلِ وحملِه على خلافِ ظاهرِه ما وجدوا إليه سبيلًا، فإذا جاءهم مِنْ ذلك ما يغلبهم فزِعوا إلى دعوى الإجماعِ على خلافِه، فإنْ رأوا مِن الخلافِ ما لا يمكنهم معه دعوى الإجماع، فزِعوا إلى القولِ بأنَّه منسوخٌ" (٤).

ولقد جرَّتْ صورُ التعصب هذه إلى الجمودِ المذهبي، وعدمِ التزحزح عن المذهبِ مهما كان ضعيفًا (٥).

يقولُ العزُّ بنُ عبد السلام حاكيًا حالَ بعضِ المتمذهبين الذين جمدوا


(١) نقل كلامَ أبي عبد الله المقّري الونشريسيُّ في: المعيار العرب (٢/ ٤٨٣).
(٢) هكذا وردت اللفظة في: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢١/ ١٥٥)، ويظهر أنها محرفةٌ من: "مهنة".
(٣) المصدر السابق. وانظر: إعلام الموقعين (٣/ ٥٢٢)، وأدب الطلب للشوكاني (ص/ ٢٣٥ - ٢٣٦).
(٤) كتاب الصلاة (ص/ ٢٢١ - ٢٢٢) ط/ دار عالم الفوائد، وانظر: منه (ص/ ٣٩٧).
(٥) انظر: منهج ابن تيمية في الفقه للدكتور سعود العطيشان (ص/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>