للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأشكالِ، والذي يهمني هنا: هو الغلوُّ في أئمةِ المذاهب، والمبالغةُ في تعظيمِهم واتِّباعِهم.

لقد جَعَلَ بعضُ المتمذهبين إمامَهم المجتهدَ في مكانةٍ فوقَ التي يستحقها، فأنزلوه منزلةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أمتِه! فحرَّموا مخالفتَه، والخروجَ عن رأيه، ولم يقبلوا عن أحدٍ سواه (١)، وزعموا - بالمقالِ أو بلسانِ الحالِ - أنَّ ما قاله إمامُهم فحسب هو الشريعة الإسلامية (٢).

وما مِنْ شكَّ في مكانةِ أئمةِ المذاهبِ في الإسلامِ، وما لهم مِن المنزلةِ الرفيعةِ في الأمةِ، وما لأقوالهم مِن الاعتبارِ، لكنَّ هذا لا يعطي العالمَ مهما بلغتْ درجتُه في العلمِ، ومهما بلغتْ خدمتُه للدِّينِ، درجةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أمتِه؛ إذ الذي تحرمُ مخالفتُه، ويحرمُ الخروجُ عن قولِه هو النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي أوجبَ اللهُ تعالى طاعتَه، فلا يجوزُ إنزالُ أئمةِ المذاهبِ منزلةً لم يبلغوها (٣).

وأجزمُ أنَّ الأئمةَ المجتهدين لا يرضون أنْ يُعْطَوا فوقَ ما يستحقون، بلْ كان كلُّ واحدٍ منهم معظمًا للأدلةِ، راجعًا إليها إذا تبيّنَتْ له، حاثّا تلاميذَه على النظرِ فيها، ولم يَرِدْ عن أحدٍ منهم على الإطلاقِ الحث على أخذِ أقوالِه.

يقولُ أبو الوفاءِ بنُ عقيلٍ: "الغلوُّ في تعظيمِ الأوائل بحطِّ المتأخرين عن مناصبِهم غيرُ محمودٍ في الشرعِ والعقلِ" (٤).


= عباسي (ص/ ٥٣)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عمر الأشقر (ص/ ١٤٦)، والمدخل إلى الشريعة والفقه له (ص/ ٣٠٣)، وتاريخ التشريع للدكتور أحمد العليان (ص/ ٢٤٧)، والعصبية في ضوء الإسلام لهاشم المشهداني (ص/ ١٦٢)، وتحريف النصوص لبكر أبو زيد (ص/ ١٤٩) ضمن مجموع الردود، وآثار اختلاف الفقهاء لأحمد الأنصاري (ص/ ٢٩٥).
(١) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (١/ ٨٦ - ٨٧).
(٢) انظر: الاعتصام للشاطبي (٣/ ٣٢٠)، وأدب الطلب للشوكاني (ص / ٩١)، والمذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ ٢٥٦).
(٣) انظر: الواضح في أصول الفقه (٥/ ٤٢٥).
(٤) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>