للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقولُ الشيخُ مصطفى الزرقا معلِّلًا عدمَ إمكانِ توحيدِ المذاهبِ: "قد يكون النصُّ نفسُه يحتملُ أنْ يُفهم على أكثرِ مِنْ وجهٍ، وتكون كلُّها مقبولةً رُغْم اختلافِها، فهذا مجالٌ واسعٌ في فهمِ النصوصِ وتفسيرِها، تختلفُ فيه آراءُ العلماءِ المتشرعين في ترجيحِ الفهمِ الذي يرى العالمُ الفقيهُ أنَّه هو الصحيحُ، أو الأصحُّ، أو الأقربُ إلى غرضِ الشارعِ، أو الأكثرُ انطباقًا على القواعدِ المقررةِ المستمدةِ مِنْ مجموعِ النصوصِ ذاتِ العلاقةِ في كلِّ موضوعٍ.

وكلُّ ذلك - أيضًا - هو فقهٌ يقومُ حولَ النصوصِ التشريعيةِ، فَهْمًا لها، وقياسًا عليها، وتفريعًا على قواعدِها ... ونحو ذلك ممَّا لا يمكنُ أنْ تَتحدَ فيه فهومُ العلماءِ، فكيفَ يمكنُ توحيدُ الفقه إذًا؟ ! " (١).

الثاني: أنَّ اختلافاتِ العلماءِ في المسائلِ لم تأْتِ دونَ سببٍ، لتُحلَّ بتوحيدِ المذاهبِ، بلْ هذه الأقوالُ والاختلافاتُ عائدةٌ إلى أصولٍ وقواعد سارَ عليها كلُّ عالمٍ.

وسيترتبُ على التوحيدِ خلطٌ في المسائلِ، وتلفيقٌ بينها، مِنْ جهةِ اعتمادِ بعضِ الأصولِ في مسائل، وإغفالِها وعدمِ العملِ بها في مسائل أخرى.

ثمَّ هل سيحجرُ على العلماءِ أنْ يختاروا، وأنْ يفتوا بخلافِ القولِ الذي قرره موحدو المذاهبِ الفقهيةِ؟ ! (٢).

الثالث: لو فُرِضَ قيامُ مشروعِ توحيدِ المذاهب، فهل سَيُؤَسّسُ المشروعُ دونَ أصولٍ وقواعد يُرْجَعُ إليها؟

إنَّ سكوتَ الداعين إلى توحيدِ المذاهبِ عن الأصولِ والقواعدِ


(١) فتاوى مصطفى الزرقا (ص/ ٣٦٤).
(٢) يقول تقيُّ الدين بنُ تيمية في: مجموع الفتاوى (٣٠/ ٨٠): "فمن تبيّن له صحة أحد القولين تبعه، ومَنْ قلَّد أهل القول الآخر، فلا إنكار عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>