للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختاره: بعضُ الحنابلةِ (١).

• أدلةُ الأقوالِ:

دليلُ أصحابِ القولِ الأولِ: أنَّ المقصودَ مِن الاجتهادِ إثباتُ الحكمِ بدليلِه، وهذا المقصَدُ يحصلُ دونَ الحاجةِ إلى الحفظِ، والذي يُحَققه العلمُ بموضعِه (٢).

دليلُ أصحاب القولِ الثاني: أنَّ الحافظَ للقرآنِ الكريمِ أضبطُ لمعانيه مِن الناظرِ في القرآنَ (٣).

ويمكن مناقشة الدليل: بأنَّه لا نُسلّمُ أنَّ الحافظَ للقرآنِ أضبطُ لمعانيه مِنْ غيرِ الحافظِ؛ بدليلِ الواقعِ المشاهدِ؛ فهناك مَنْ يحفظُ القرآنَ دونَ أنْ يغوصَ في معانيه، وهناك مَنْ هو عالمٌ بمعاني القرآنِ، وهو غيرُ حافظٍ له.

دليل أصحاب القول الثالث: لم أقفْ لأصحابِ القولِ الثالثِ على دليلٍ - فيما رجعت إليه من مصادر - ولعلَّهم جمعوا بين القولين، فقالوا بالتوسطِ بينهما؛ فاشترطوا الحفظَ لآياتِ الأحكامِ، دونَ الآياتِ الواردةِ في غيرِها.

• الموازنة والترجيح:

بالنظرِ في الأقوالِ، وما استدلوا به، يظهرُ لي رجحانُ القولِ الأولِ القائلِ بعدمِ اشتراطِ حفظِ القرآنِ؛ لأنَّ قصدَ المجتهدِ أصالةً استنباطُ الحكمِ مِن القرآنِ الكريمِ، ومعرفةُ موضع الآية مِن القرآن يُحققُ له هذا المقصد، دونَ أدنى خللٍ في اجتهادِه، إضافَةً إلى أنَّ كثيرًا من مجتهدي الصحابة - رضي الله عنهم - كأبي بكر وعمر وغيرهما، لم يحفظوا القرآنَ الكريمَ (٤).


(١) انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري (ص/ ١٢٦).
(٢) انظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ٥٧٨).
(٣) انظر: تقريب الوصول لابن جزي (ص/ ٤٣١)، وتيسير التحرير (٤/ ١٨١).
(٤) انظر: معرفة القراء البهار للذهبي (١/ ١٠٧)، والبرهان في علوم القرآن للزركشي (١/ ٢٤١)، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي (٢/ ٤٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>