للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا معرفةُ البلاغةِ؛ فلأنَّ القرآنَ الكريمَ، والسنةَ النبويةَ في الذِّروةِ العليا مِن الإعجازِ، فلا بُدَّ مِنْ معرفةِ البيانِ وأساليبِه؛ ليتمكن المجتهدُ مِن الاستنباطِ منهما على الوجهِ الأكملِ (١).

يقولُ الإمامُ الشافعيُّ: "القرآنُ نَزَلَ بلسانِ العربِ، دونَ غيرِه؛ لأنَّه لا يَعْلمُ مِنْ إيضاحِ جُمَلِ علمِ الكتاب أحدٌ جَهِلَ سعةَ لسانِ العربِ، وكثرةَ وجوهِه، وجماع معانيه وتفرقها، وَمَنْ عَلِمه انتفتْ عنه الشبهُ التي دخلتْ على مَنْ جَهِلَ لسانَها" (٢).

ويقولُ الشوكانيُّ: "الاستكثارُ مِنْ ممارسةِ لسانِ العربِ، والتوسع في الاطلاعِ على مطولاتِه، ممَّا يزيدُ المجتهدَ قوةً في البحث، وبَصَرًا في الاستخراجِ، وبصيرةً في حصولِ مطلوبِه" (٣).

ولا يشترط في هذا المقامِ: معرفةُ غرائبِ اللغةِ (٤)، وهي: الألفاظُ التي تُخِلُّ بالفصاحةِ؛ لأنَّها لا تُوجدُ في القرآنِ الكريمِ، ولا في السنةِ النبويةِ (٥).

ويتصلُ باشتراطِ معرفةِ اللسانِ العربي، مسألةٌ، وهي: القدرُ المشترطُ في معرفةِ اللسانِ العربي.

يحتاجُ المجتهدُ مِن اللسانِ العربي قدرًا يُثْمِرُ له فهمَ خطاب العربِ، وعادتهم في الاستعمالِ إلى حدِّ يُميّز بين صريحِ الكلامِ وظاهرِه، ومجملِه ومفصلِه، وحقيقتِه ومجازِه، وَيعْرِفُ أوضاعَ العربِ في كلامِهم؛ بحيثُ يُمَيّز العبارةَ الصحيحةَ عن الفاسدةِ، والراجحةَ عن المرجوحةِ، ويُمَيّزُ بين دلالاتِ الألفاظِ - مِن المطابقةِ (٦) والتضمّنِ والالتزامِ - والمفرد والمركب،


(١) انظر: تشنيف المسامع (٤/ ٥٦٩).
(٢) الرسالة (ص/ ٥٠).
(٣) إرشاد الفحول (٢/ ١٠٣١).
(٤) انظر: البرهان (٢/ ٨٦٩)، والمنخول (ص/ ٤٦٣)، والموافقات (٥/ ٥٢).
(٥) انظر: تعليق دراز على الموافقات (٥/ ٥٢).
(٦) دلالة المطابقة: دلالة اللفظ على تمام مسماه. انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي =

<<  <  ج: ص:  >  >>