للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(المشترطين لعلم الكلام)، فأقولُ: يصعبُ الجزمُ بنوعِ الخلافِ؛ لعدمِ وقوفي على أدلةِ المشترطين؛ مع أنَّ الظاهرَ أنَّ الخلافَ بينهما خلافٌ معنوي؛ لأنَّ إمامَ الحرمين الجويني (ت: ٤٧٨ هـ) لما عَرَضَ كلامَ أبي بكرٍ الباقلاني (ت: ٤٠٣ هـ) - وهو قريب من زمنه - لم يُشْرِ إلى ما قد يُفهمُ منه أنَّ الخلافَ لفظي، بل ردَّ إمامُ الحرمين قولَ القاضي الباقلاني؛ لمخالفتِه للدليلِ.

• سبب الخلاف:

أشارَ ابنُ رشدٍ (١) إلى ما يُمكنُ جعلُه سببًا للخلافِ، فقالَ: "وقد اشترطوا مع هذا أنْ يكونَ عالمًا بعلمِ الكلامِ ... وهذا إنَّما يلزمُ على رأي مَنْ يرى أنَّ أولَ الواجباتِ النظرُ والاستدلالُ، وأمَّا مَنْ لا يرى ذلك، فيكفيه الإيمانُ بمجرّدِ الشرعِ، دونَ نَظَرِ العقلِ" (٢).

فمَنْ قال: إنَّ أولَ واجبٍ على المكلّفِ هو النظرُ، أَوْجَبَ على المجتهدِ معرفةَ علمِ الكلامِ، وهذا ما اتجه إليه أصحابُ القولِ الثاني.

ومَنْ قال: ليس أول واجبٍ على المكلفِ النظرَ، وإنَّما يُقررُ أنَّ أولَ واجبٍ هو الشهادتان، لم يُوجِبْ على المكلّفِ معرفةَ علمِ الكلامِ، وهذا ما اتجه إليه أصحابُ القولِ الثالثِ.


(١) هو: محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد القرطبي، المعروف بابن رشد الحفيد، ولد سنة ٥٢٠ هـ كان مالكي المذهب، علامةً بارعًا في الفقه والأصول والعربية والحكمة وعلوم الأوائل والطب، فيلسوفًا، متميزًا بالذكاء وصحة النظر، وجودة التأليف، متواضعًا، خافضًا لجناحه، يفزع إلى قوله في الطب كما يفزع إليه في الفقه، وكان قاضي الجماعة بقرطبة، من مؤلفاته: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، والضروري في أصول الفقه، والكليات في الطب، توفي بمراكش سنة ٥٩٥ هـ. انظر ترجمته في: الغنية للقاضي عياض (ص/ ٥٤)، وبغية الملتمس للضبي ص/ ٥٤)، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري (١/ ٣٢١)، وسير أعلام النبلاء (٢١/ ٣٠٧)، والوافي بالوفيات للصفدي (٢/ ١١٤)، والديباج المذهب لابن فرحون (٢/ ٢٥٧)، وشذرات الذهب لابن العماد (٦/ ٥٢٢).
(٢) الضروري في أصول الفقه (ص/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>