للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: لا تبطلُ دلالةُ المفهومِ إن عارضها منطوق، بلْ تُقَرّ كلتا الدلالتين إنْ جُعل أول قولي إمامِ المذهبِ في مسألةٍ واحدةٍ مذهبًا له، ويكونُ للإمامِ قولان: أحدهما بالمنطوق، والآخر بالمفهوم.

وهذا القول وجه عند الحنابلة (١).

• أدلة القولين:

دليل أصحاب القول الأول: أن المنطوقَ أقوى مِن المفهومِ، فإذا تعارضا، قُدِّمَ المنطوقُ؛ لقوتِه (٢).

دليل أصحاب القول الثاني: أنَّ مفهومَ المخالفةِ كالنصِّ في إفادتِه الحكم، لذا اعتبرناه حجةً في صحةِ نسبةِ القولِ إلى الإمامِ، فإذا عارضَ المفهومَ منطوقٌ، قلنا بتقريرِهما؛ لأنَّ كلًّا منهما حجةٌ (٣).

مناقشة دليل أصحاب القول الثاني: إنْ سلمنا لكم أن المفهومَ حجةٌ، فهو حجةٌ لكنْ بشرطِ عدمِ مخالفتِه للمنطوقِ؛ وهذا هو المعمولُ به في النصوصِ الشرعيةِ (٤).

• الموازنة والترجيح:

يظهرُ لي رجحانُ القولِ الأولِ القائلِ ببطلانِ دلالةِ مفهومِ المخالفةِ إنْ عارضها منطوقٌ؛ وذلك للآتي:

أولًا: أنَّ دلالةَ المنطوقِ أقوى مِن دلالةِ مفهومِ المخالفةِ، ومِن المقررِ أنَّ الأقوى مقدَّمٌ على غيرِه.

ثانيًا: أنَّ نصَّ الإمامِ على خلافِ مفهومِ المخالفةِ قرينةٌ دالةٌ على عدمِ إرادتِه ما دلَّ عليه المفهوم.


(١) انظر: صفة الفتوى (ص / ١٠٣)، والمسودة (٢/ ٩٤٦)، والتحبير (٨/ ٣٩٦٥)، والإنصاف (١٢/ ٢٥٤).
(٢) انظر: صفة الفتوى (ص/ ١٠٣).
(٣) انظر: المصدر السابق.
(٤) انظر: البحر المحيط (٤/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>