للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الدلالة من الحديث: أنَّ وراثةَ الأنبياءِ تكون في: العلمِ والتبليغِ والهدايةِ والاتباعِ، والوراثةُ تقتضي أنْ لا يأتي الإمامُ بما لا دليلَ له عليه (١).

يقولُ ابنُ حامدٍ: "مقاماتُ العلماءِ بمثابةِ مقاماتِ صاحب الشريعةِ" إذ لا يجوزُ لعالمٍ أنْ يأتي في عملِه كلِّه شيئًا إلا مِنْ حيثُ الدليلُ شقيق الحقِّ المبين" (٢).

ويقولُ أبو إسحاقَ الشاطبيُّ: "إذا ثَبَتَ أنَّ المفتي قائمٌ مقامَ النبي، نائبٌ منابَه، لزمَ مِنْ ذلك أنَّ أفعالَه محل للاقتداءِ أيضًا، لأنه وارثٌ، وقد كان المورِّثُ قدوةً بقولِه وفعلِه، فكذلك الوارثُ، وإلا لم يكنْ وارثًا على الحقيقةِ" (٣).

مناقشة الدليل الأول: ليس في الحديثِ دلالةٌ على نسبةِ القولِ إلى إمامِ المذهب أخذًا مِنْ فعلِه، ولا على التسويةِ بين أفعالِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأفعالِ الأئمةِ المجتهدين، وغايةُ ما دلَّ عليه الحديثُ أنَّ العلماءَ ورثوا العلمَ عن الأنبياءِ، والوراثةُ تعني بصيرتَهم بأحكامِ الشريعةِ (٤).


= وذكر البخاريُّ الحديثَ في: صحيحه، في كتاب: العلم، بعد باب: العلم قبل القول والعمل. ويقول ابن حجر في: فتح الباري (١/ ١٦٠) عن الحديث: "حسَّنه حمزةُ الكناني، وضعفه غيرهم باضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها، ولم يفصحْ المصنفُ - أي: البخاري - بكونه حديثًا؛ لذا لا يُعدُّ في تعاليقه، لكن إيراده له في الترجمة يشعر بأنَّ له أصلًا ... ".
وحسن الحديثَ ابنُ القيم في: مفتاح دار السعادة (١/ ٢٠٣)، والألباني في: تعليقه على السنن في المواطن السابقة.
وقال الألبانيُّ في: صحيح الترغيب والترهيب (١/ ١٣٩)، حاشية (١): "مدار الحديث على داود بن جميل عن كثير بن قيس، وهما مجهولان، لكن أخرجه أبو داود من طريق أخرى عن أبي الدرداء بسندٍ حسنٍ". وقارن بالتوضيح لابن الملقن (٢/ ٣٢٢ - ٣٢٤).
(١) انظر: صفة الفتوى (ص/ ١٠٣ - ١٠٤).
(٢) تهذيب الأجوبة (١/ ٤١٤) بتصرف يسير.
(٣) الموافقات (٥/ ٢٦٢) بتصرف.
(٤) انظر: تحرير المقال للدكتور عياض السلمي (ص/ ٣٥)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ ٢٢٨). وانظر للاستزادة في معنى الحديث: مفتاح دار السعادة لابن القيم (١/ ١٩٣) ط/ ابن حزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>