للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة الدليل الثالث: أنَّ ما ذكروه لا يكفي لأنْ يكونَ دليلًا شرعيًا على شرعيةِ التأسي بالمفتي، إذا لم يَقْصِد البيانَ بفعلِه (١).

ويمكنْ أنْ يضافَ وجهٌ آخر في المناقشة، وهو: أنَّ ما ذكروه حثٌّ للعالمِ على أنْ لا يصدرَ منه فعلٌ إلا وهو يرى إباحتَه أو مشروعيته، وليس فيه ما يدلّ على أنَّ العالمَ لا يَقَعُ منه إلا ما يرى إباحته أو مشروعيته.

أدلةُ أصحابِ القولِ الثانى: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:

الدليل الأول: أنَّ إمامَ المذهب بشرٌ، وهو غيرُ معصوم، يجوز عليه السهوُ والنسيانُ والجهلُ والتهاونُ، فلعله فعلَ الشيءَ نسيانًا أو ذهولًا، أو كانَ غيرَ متأمّلٍ ولا ناظرٍ (٢).

مناقشة الدليل الأول: ما ذكرتموه مِن الاحتمالاتِ في فعلِ إمامِ المذهب، تَرِدُ أيضًا في قولِه، فيمكن فيه الخطأُ والنسيانُ والغفلةُ؛ لأنَّ القائلَ لَيس بمعصومٍ، وإذا لم تُعْتَبرْ هذه الاحتمالات في القولِ، لم تكن معتبرة في الفعلِ (٣).

الجواب عن المناقشة: هناك فرقٌ بين القولِ والفعلِ؛ وذلك من وجهين:

الوجه الأول: بالمشاهدةِ، فكثيرٌ من المنتصبين للفتيا يَزِنون أقوالَهم وزنًا تامًّا، مع أنَّ أفعالَهم قد يكون فيها شيءٌ مِن مخالفةِ ما يُفتونَ به الناسَ؛ ترخصًا لأنفسِهم، ولا سيما في بابِ المندوباتِ والمكروهاتِ (٤).

الوجه الثاني: أنَّ احتمالَ الخطأِ في الفعلِ أكثرُ منه في القولِ؛ لأن


(١) انظر: تعليق دراز على الموافقات (٥/ ٢٦٢).
(٢) انظر: صفة الفتوى (ص/ ١٠٤)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (١٩/ ١٥٢)، وإعلام الموقعين (٥/ ٨٤).
(٣) انظر: الموافقات (٥/ ٢٦٥).
(٤) انظر: تعليق دراز على الموافقات (٥/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>