للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسانَ قد ينساقُ إلى الفعلِ بطبعِه دونَ انتباهٍ إلى إباحةٍ أو عدمِها (١).

وإذا ثَبَتَ الفرقُ بين القولِ والفعلِ، ساغَ التفريقُ بينهما في الحكمِ.

الدليل الثاني: أنَّ أفعالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستْ كلها على سبيلِ الوجوب، بلْ لها أحكامٌ مختلفةُ المراتبِ؛ وهذا يدلُّ على ضعفِ دلالةِ الفعلِ (٢).

مناقشة الدليل الثاني: أن أفعالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن اختلفتْ مراتبُها، لكنها لا تخرج عن أنْ تكون دِيْنًا، ونحن نريدُ إثباتَ الجوازِ؛ وهذا يتحققُّ بمجرّدِ الفعلِ (٣).

• الموازنة والترجيح:

مِنْ خلالِ النظرِ في القولين، وما استدلوا به، يظهرُ لي أنَّ الفعلَ إذا اقترنتْ به قرينةٌ دالةٌ لي أنَّ ما فعلَه إمامُ المذهب هو رأيه، نُسِبَ القولُ إليه بناءً على فعلِه؛ وإذا تجرَّد الفعلُ عن القرينةِ لمَ ينسبْ إليه؛ وذلك لتطرّقِ الاحتمالِ إلى الفعلِ المجرّدِ عن القرينةِ، إذْ يحتملُ أنَّ الإمامَ فعله نسيانًا أو سهوًا أو غفلة، ونحو ذلك، أمَّا إذا احتفتْ بالفعلِ قرينةٌ، فإنَّ هذه الاحتمالاتِ تُعَدُّ احتمالات مرجوحة.

مثالُ القرينةِ التي تحتفّ بالفعلِ: تكررُ الفعلِ مِن الإمامِ المعروفِ بالتقوى والورعِ، فإن تكررَ الفعلِ من الإمامِ، وتقواه قرينتان دالتان على نسبةِ القولِ إليه بناءً على فعلِه (٤).

ومثالُ الفعلِ الذي لم تحتف به قرينةٌ: إذا فَعَلَ الإمامُ أمرًا مرةً واحدةً، دونَ قرينةٍ، فلا ينسبُ القولُ إليه بناءً على فعلِه.


(١) انظر: تحرير المقال للدكتور عياض السلمي (ص/ ٣٦).
(٢) انظر: تهذيب الأجوبة (١/ ٤١٣)، وتحرير المقال للدكتور عياض السلمي (ص/ ٣٤)، ونظرية التخريج للدكتور نوار بن الشلي (ص/ ١٣٣).
(٣) انظر: تهذيب الأجوبة (١/ ٤١٥).
(٤) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (١٩/ ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>