للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهما أصلُ الدِّينِ، فجوازُ القياسِ في غيرِهما مِنْ بابٍ أولى (١).

يقولُ إمامُ الحرمين الجويني: "فالذي أحاطَ بقواعدِ مذهبِ الشافعي مثلًا، وتدرَّبَ في مقاييسه، يُنزّلُ في الإلحاقِ بمنصوصاتِ الشافعي منزلةَ المجتهدِ الذي يتمكنُ بطُرقِ الظنونِ إلحاقَ غيرِ المنصوصِ عليه في الشرعِ بما هو منصوصٌ عليه.

ولعلَّ الفقيهَ المستقل بمذهب إمامٍ أقدرُ على الإلحاقِ بأصولِ المذهبِ الذي حواه، مِن المجتهدِ في محاوَلتِه الإلحاق بأصولِ الشريعةِ" (٢).

مناقشة الدليل الأول، نوقش الدليل من وجهين:

الوجه الأول: أنَّا قلنا بصحةِ القياسِ على نصوصِ الكتاب والسنةِ؛ لورودِ البيانِ مِن الشرعِ بالأمرِ بالقياسِ وإقرارِه؛ وقد تعبَّدَنا الشارَعُ بذلك، بخلافِ الأئمةِ، فلم يَرِدْ عنهم أمرٌ بالقياسِ على أقوالِهم (٣).

الوجه الثاني: أنَّ ما يقتضيه القياسُ على القرآنِ والسنةِ، يقال له: دينُ الله ودين رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُقالُ فيه: قول الله ولا قول رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

ولا تصحُّ مثلُ هذه الإضافةِ إلى الأئمةِ، فلا يُقالُ في قياسِ قولِ الشافعي أو مالكٍ: دين الشافعي أو دين مالك (٤).

الدليل الثاني: اتفقَ العلماءُ على صحةِ نسبةِ القولِ إلى الإمامِ بناءً على القياسِ، وجَرَى عملُهم على وفقِ هذا الاتفاق، فمِنْ ذلك: أنَّهم ينقلون عن بعضِ الصحابةِ - رضي الله عنهم - اختلافَ قولِهم في الجدِّ في بابِ الفرائضِ، ويفرعون على قولِهم في مسائل أخر ما جانسه (٥)، وإذا ثَبَتَ هذا الاتفاقُ، لم يُعَوَّلْ على ما جاءَ من الاختلاف؛ لتقدّمِ الاتفاقِ عليه.


(١) انظر: تهذيب الأجوبة (١/ ٣٩٢ - ٣٩٣).
(٢) الغياثي (ص/ ٤٢٥ - ٤٢٦) بتصرف يسير.
(٣) انظر: المعتمد (٢/ ٨٦٧)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٤/ ٣٦٨).
(٤) انظر: التبصرة (ص/ ٥١٧)، وشرح اللمع (٢/ ١٠٨٤).
(٥) انظر: تهذيب الأجوبة (١/ ٣٩٣ - ٣٩٦)، وأصول الفقه للخضري (ص/ ٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>