للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولُ إمامُ الحرمين الجويني: "لا يستقلُّ بنقلِ مسائلِ الفقهِ مَنْ يعتمدُ الحفظَ، ولا يرجعُ إلى كيسٍ وفطنةٍ وفقه طبعٍ، فإنَّ تصويرَ مسائلها أولًا، وإيرادَ صورِها على وجوهِها لا يقومُ بها إلا فقيهٌ" (١).

ويقولُ ابنُ الصلاحِ: "إنَّ تصويرَ المسائلِ على وجهِها، ونقلَ أحكامِها بعد استتمامِ تصويرِها - جلياتها وخفياتها - لا يقومُ به إلا فقيهُ النفسِ" (٢).

ويكون التهيؤُ - أو فقه النفس - بجودةِ الحفظِ، وشدّةِ الفهمِ (٣).

يقولُ ابنُ القيّمِ: "أما مَنْ لم يتأهلْ لذلك - أيْ: لمعرفة المذهب - البتة، بلْ قال: أنا شافعي، أو حنبلي، أو غير ذلك، لم يصرْ كذلك بمجرَّد قولِه، كما لو قال: أنا فقيهٌ أو نحوي أو كاتبٌ، لم يصر كذلك بمجرّدِ قولِه" (٤).

فمَنْ لم يكنْ متهيئًا للتمذهبِ، لا يصحُّ منه التمذهبُ، ولو ادَّعاه.

فإنْ كان محلُّ التمذهب في الأصولِ، فلا بُدَّ مِنْ أهليةِ إدراكِ أصولِ المذهبِ: تصورًا وتقريرًا، وإن كان محلُّ التمذهب في الفروع، فلا بُدَّ مِنْ أهليةِ إدراكِ الفروعِ: تصورًا وتقريرًا.

الشرط الثاني: أنْ يعرفَ مذهبَ إمامِه في الأصولِ والفروع، أو في أحدِهما.

لا بُدَّ أنْ يعرفَ المتمذهبُ أصولَ مذهبِ إمامِه، وفروعَه، ومردُّ هذا الشرطِ إلى حقيقةِ التمذهب؛ فحقيقةُ التمذهبِ هي التزامُ مذهب مجتهدٍ معيّنٍ، فإذا لم يعرف المتمذهبُ مذهبَ إمامِه، كيفَ يمكنه التزامه؟ !


(١) الغياثي (ص/ ٤١٧).
(٢) أدب المفتي والمستفتي (ص/ ١٠٠).
(٣) انظر: الفروق للقرافي (٢/ ١٩٨)، وتقريب الوصول لابن جزي (ص/ ٤٢٧)، ونشر البنود (٢/ ٣٢٣)، ومراقي السعود للمرابط (ص/ ٤٤١).
(٤) إعلام الموقعين (٦/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>