للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقدرُ المشترطُ في المعرفةِ هو استحضارُ أكثرِ المذهبِ، مع القدرةِ على مطالعةِ بقيتِه قريبًا.

يقولُ ابنُ الصلاحِ: "ينبغي أن يُكتفى في حفظِ المذهب ... بأن يكونَ المعظمُ على ذهنِه، ويكون؛ لدربتِه متمكنًا مِن الوقوفِ على الباقي بالمطالعةِ - أو ما يلحق بها - على القُرْبِ" (١).

ومحلُّ الالتزامِ بالمذهبِ أصولُ المذهبِ وفروعُه، ولا يعتبرُ الخروجُ عن المذهبِ في بعضِ المسائلِ منافيًا للتمذهبِ، إذا كان الخروجُ لمسوّغٍ، كما تقدمَت الإشارةُ إليه عند تعريفِ التمذهبِ في الاصطلاحِ.

هذانِ هما شرطا المتمذهبِ اللذانِ لا بُدَّ مِن اجتماعِهما؛ ليتحققَ وصفُ الشخصِ بالتمذهبِ، وأُحبُ أنْ أنبه هنا إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أنَّ ما لا يُشترطُ في المجتهدِ لا يشترطُ في المتمذهب، فكما لا يشترطُ في المجتهدِ: الذكورية، والحريةُ، والعدالةُ، فكَذا المتمذهبِ، لا تُشترطُ فيه هذه الأوصافُ.

ويُستثنى شرطٌ واحدٌ، وهو: معرفةُ الفروعِ، فإنَّه لا يشترطُ في المجتهدِ، وهو شرطٌ في المتمذهبِ إنْ كانَ تمذهبُه في الفروعِ.

الأمر الثاني: هناك شروطٌ خاصةٌ ببعضِ المتمذهبين بالنظرِ إلى الطبقةِ التي ينتمي إليها، وسأُوْضِحُ شروطَ كلِّ طبقةٍ حين أذكرُ طبقاتِ المتمذهبين.

الأمر الثالث: أنَّ الشرطين السابقين هما للمتمذهب الذي لم يبلغْ رتبةَ الاجتهادِ، أمَّا العالم الذي بَلَغَ رتبةَ الاجتهاد، وانتسَبَ إلى مذهبِ إمامٍ معيّنٍ، فهو مجتهدٌ حقيقةٌ، وإنْ سُمّيَ متمذهبًا على سبيلِ المسامحةِ.


(١) أدب المفتي والمستفتي (ص/ ١٠٠). وانظر: صفة الفتوى (ص/ ٢٣)، والتحبير (٨/ ٣٨٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>