للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة الدليل الثالث: تقدمتْ مناقشةُ الاستدلالِ بقولِ ابنِ مسعودِ - رضي الله عنه - في أدلةِ أصحابِ القولِ الثاني.

الدليل الرابع: أنَّ تقليدَ المجتهدِ لمنْ هو أعلمُ منه ضربٌ مِن الاجتهادِ في تقويةِ رأي الأعلمِ، فإذا كان للمجتهدِ أنْ يحكمَ في الحادثةِ باجتهادِه، كان له أنْ يقلِّدَ مَنْ هو أعلمُ منه؛ لأنَّ اجتهادَ الأعلمِ أوثقُ عنده مِن اجتهادِ نفسِه (١).

مناقشة الدليل الرابع: نوقش الدليل من وجهين:

الوجه الأول: لو جوَّزنا للمجتهدِ تقليدَ الأعلمِ؛ لأنَّ اجتهادَ الأعلمِ أقوى، للزمَ منه أنْ لا يعملَ المجتهدُ باجتهادِه، ولا يترك تقليدَ الأعلمِ في جميعِ الحوادثِ، ولا أحدَ يقولُ بهذا (٢).

الوجه الثاني: لا تصحُّ تسميتكم تقليد المجتهدِ للأعلمِ ضربًا مِن الاجتهادِ؛ لأن هذا الضربَ مِن الاجتهادِ هو اجتهادٌ فيمَنْ يقلِّدُه، لا اجتهاد يعتمدُ على النظرِ في الأدلةِ (٣).

ثم إنْ قلتُم: إنَّه لا يخلو عن اجتهادٍ في مأخذِ قولِ المجتهدِ خَرَجْتُم عن محلِّ الخلافِ، ولم نسمِّ فعلَ المجتهدِ حينئذٍ تقليدًا.

الدليل الخامس: إذا كانَ المجتهدُ أعلمَ مِنْ غيرِه فله مزيةٌ، وهي كثرةُ علمِه، وحسنُ بصيرتِه بطرقِ الاجتهادِ، وأمَّا اجتهادُ الإنسانِ نفسِه، فله مزيةٌ مِنْ وجهٍ آخر، وهي أنَّه على ثقةٍ مِن اجتهادِه، ومِنْ إحاطتِه بالدليلِ، وليس المجتهدُ على ثقةٍ وإحاطةٍ مِن اجتهادِ الأعلمِ، فإذا اجتمعا - أي: الأعلم ومن هو دونه - تساويا، فخُيّرَ بينهما (٤).


(١) انظر: المصدر السابق، ومسائل الخلاف للصيمري (ص/ ٣٧٨)، والعدة (٤/ ١٢٣٥).
(٢) انظر: العدة (٤/ ١٢٣٥).
(٣) انظر: المصدر السابق (٤/ ١٢٣٦).
(٤) انظر: التبصرة (ص/ ٤١٠)، وشرح اللمع (٢/ ١٠٢٩)، وقواطع الأدلة (٥/ ١٠٣)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٤/ ٤١٨)، والواضح في أصول الفقه (٥/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>