للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة الدليل الخامس: نوقش الدليل من وجهين:

الوجه الأول: يبطلُ دليلُكم بالأمرين الآتيين:

الأمر الأول: مَنْ طالتْ صحبتُه مِن الصحابةِ - رضي الله عنهم - للنبي - صلى الله عليه وسلم - مع مَنْ لم تطلْ صحبتُه؛ إذ لمَنْ طالتْ صحبتُه مزيةٌ بطولِ الصحبةِ، وكثرةِ السماعِ مِن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك لا يجوزُ لمَنْ لم تطلْ صحبتُه تقليدَ مَنْ طالتْ صحبتُه، إذا تساويا في العلم، ولا يُقال: إنَّ له مزيةً بطولِ الصحبةِ وكثرةِ السماعِ، ولاجتهادِ مَنْ لم تطلْ صحبتُه مزيةٌ بالثقةِ فيه، فَوَجَبَ أنْ يتخيّرَ من لم تطلْ صحبتُه بينهما! فكذلك في مسألتِنا (١).

الأمر الثاني: التابعيُّ مع الصحابي إذا تساويا في العلمِ، فإنَّ للصحابي مزيةَ الصحبةِ، والمشاهدةِ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والسماعِ منه - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الصفاتُ غيرُ موجودةٍ في التابعي، ثمَّ لا يجوزُ القولُ بأنَّ للتابعي تقليدَ الصحابي لهذه المزيةِ، فكذلك في مسألتِنا (٢).

الوجه الثاني: لا تصحُّ التسويةُ بين اجتهادِ المجتهدِ، وتقليدِ الأعلم؛ لأنَّ المجتهدَ إذا عمل باجتهادِ نفسِه، كان عالمًا بما يعملُ به، وإذا قلّد غيرَه كان جاهلًا، ولا يتساوى حالُ العلمِ مع الجهلِ، ومِن المعلومِ أنَّ التقليدَ مِنْ عملِ الجُهّالِ، والاجتهادَ مِنْ عملِ العلماءِ، ولا يجوزُ أنْ يُقال للمجتهدِ: لك أنْ تتركَ عملَ العلماءِ إلى عملِ الجُهالِ (٣).

ثمَّ إنَّ الإحاطةَ في حالِ اجتهادِ المجتهدِ، لا يوازيها زيادةُ علمِ المجتهدِ الآخر؛ لأنَّ المجتهدَ على يقينٍ مِنْ اجتهادِ نفسِه، وشكٍّ مِنْ اجتهادِ الأعلمِ؛ هل اجتهدَ على الوجهِ الصحيح؟ والشكُّ لا يساوي العلمَ (٤).


(١) انظر: التبصرة (ص/ ٤١٠ - ٤١١)، وشرح اللمع (٢/ ١٠٢٩ - ١٠٣٠)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٤/ ١٠٨)، والواضح في أصول الفقه (٥/ ٢٥٣).
(٢) انظر: المصادر السابقة.
(٣) انظر: التبصرة (ص/ ٤١١)، وشرح اللمع (٢/ ١٠٣٠)، وقواطع الأدلة (٥/ ١٠٨).
(٤) انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٤/ ٤١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>