للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة الدليل الثاني: هناك فرقٌ واضحٌ بين المجتهدِ والعامي؛ إذ العامي عاجزٌ عن الاجتهادِ؛ لفقدِه آلته، بخلافِ المجتهدِ، فإنَّه متمكنٌ مِن الاجتهادِ، وبناءً عليه لا يصحُّ إلحاقُ المجتهدِ بالعامي، ونظيرُهما مَنْ لم يجدْ ماءً ولا سترةً، لا يُلْحَقُ به مَنْ يقدرُ على الماءِ والسترةِ، لكنَّه يخافُ فوات الوقتِ لمن استعملهما (١).

وقولُكم عن المجتهد: "لا يتمكن من الوصول إلى الحكم"، غيرُ مسلّمٍ؛ بلْ للمجتهدِ قدرةٌ على الاجتهادِ، وهذه القدرةُ توصلُه إلى تحصيلِ الحُكمِ (٢).

الدليل الثالث: أنَّ المجتهدَ في حالِ ضيقِ الوقتِ مضطرٌ إلى التقليدِ؛ فإنَّه لو اجتهدَ فاتته العبادةُ، وأخرّها عن وقتِها، وهذا لا يجوز؛ فساغَ له التقليدُ (٣).

مناقشة الدليل الثالث: إذا كانت العبادةُ مِن العبادات التي يجوزُ تأخيرُها لعذرٍ، صار عدمُ اجتهادِ المجتهدِ عذرًا له في التأخيرِ، وإنْ كانت العبادةُ مِن العباداتِ التي يجوزُ تأخيرُها عن وقتِها، أدّاها على حسب حالِه، ثم يعيدُها إذا اجتهدَ، فلا تُوجدُ ضرورةٌ إلى التقليدِ (٤).

يقولُ أبو الوفاءِ بنُ عقيلٍ: "أمَّا دعواهم أنَّه - أي: المجتهد - مضطرٌ إلى التقليدِ، فغيرُ صحيح؛ لأنَّه إذا نَظَرَ وصدقَ الاجتهاد، هَجَمَ به على الحكمِ، فلا ضرورةَ إلى ما تشيرُ إليه مِنْ ضيقِ الوقتِ.

والوقتُ ظرفٌ، والاجتهادُ شرطٌ، فلا يسقط الشرطُ؛ لضيقِ الظرفِ،


(١) انظر: المصادر السابقة.
(٢) انظر: الواضح في أصول الفقه (٥/ ٢٥٦).
(٣) انظر: التبصرة (ص/ ٤١٣)، وشرح اللمع (٢/ ١٠١٤)، وقواطع الأدلة (٥/ ١٠٩)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٤/ ٤٢٠)، وشرح تنقيح الفصول (ص/ ٤٤٤)، ورفع النقاب (٦/ ١٦٣).
(٤) انظر: المصادر السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>