للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليلُ أصحاب القول الثاني: أنَّ العاميَّ اعتقدَ أنَّ المذهبَ الذي انتسب إليه هو الحقّ، ورجّحه على غيرِه، فصحَّ ثبوتُ المذهبِ له، وعليه الوفاءُ بموجبِ اعتقادِه (١).

مناقشة دليل أصحاب القول الثاني: لا قيمةَ لاعتقادِ العامي أنَّ مذهبَه هو الحقّ؛ إذا لم تكن لديه أهليةُ معرفةِ المذهبِ الذي نَسَبَ نفسَه إليه.

ثم يلزم مِنْ قولِكم لوازم فاسدة، منها: تحريمُ استفتاءِ العامي علماء غيرِ المذهبِ الذي انتسب إليه، وتحريمُ أخذِه بقولٍ أرجح مِنْ مذهبِ إمامِه (٢).

• الموازنة والترجيح:

مِنْ خلالِ تأمّل القولين، وما استدلوا به، يظهرُ لي رجحانُ القولِ الأولِ القائلِ إنَّ العاميَّ لا مذهبَ له؛ وذلك للآتي:

أولًا: أن قولَ العامي: أنا حنبلي أو حنفي مثلًا، مجرّدُ قولٍ، لا قيمةَ له، وليس له أيّ أثرٍ؛ تمامًا كما لو قال: أنا نحوي، لا قيمة لقولِه، إلا إنْ كان بصيرًا بعلمِ النحوِ.

ثانيًا: أنَّ حقيقةَ قولِ العامي: أنا حنبلي أو شافعي، زعمٌ أنَّه متبعٌ لذلك الإمامِ، سالك طريقَه، وهذا إنَّما يصحُّ، إذا سَلَكَ سبيلَه في العلمِ والفقهِ والاستدلالِ، فأمَّا مع جهلِه، وبعدِه عن العلمِ، فلا تصحُّ له دعوى الانتسابِ إلى المذهبِ (٣).

• نوع الخلاف:

يظهرُ أنَّ الخلافَ بين القولين خلافٌ معنوي، ويظهرُ أثرُه في مسألةٍ


(١) انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ ١٦١)، وصفة الفتوى (ص/ ٧١)، والتقرير والتحبير (٣/ ٣٥٠).
(٢) انظر: إعلام الموقعين (٦/ ٢٠٣).
(٣) انظر: المصدر السابق (٦/ ٢٠٣ - ٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>